استفحل مرض الرسائل الجماعية، أو ما صار يعرف بكلمة «برودكاست»، وصار من المألوف، بل الغالب، أن يقوم الشخص بإعادة إرسال كل ما يصله من رسائل، بغض النظر عن محتواها، إلى جميع من توجد أرقامهم في هاتفه النقال أو جهاز كمبيوتره المحمول. اليوم، ومع إتاحة هذا الكم المهول من وسائل التراسل والتواصل الإلكترونية، التي صار كثير منها بالمجان، لتنتشر إلى حد الابتذال في أيدي جميع الناس على مختلف مستوياتهم التعليمية والثقافية، استفحل مرض الرسائل الجماعية، أو ما صار يعرف بكلمة «برودكاست»، وصار من المألوف، بل الغالب، أن يقوم الشخص بإعادة إرسال كل ما يصله من رسائل، بغض النظر عن محتواها، إلى جميع من توجد أرقامهم في هاتفه النقال أو جهاز كمبيوتره المحمول.

Ad

صار الجميع، ومع هذه التقنيات الجبارة، أشبه ما يكونون بمراسلين صحفيين طوال يومهم وليلتهم، فتراهم لا يتوقفون عن إعادة إرسال الأخبار والطرائف والأشعار والمقولات والمقالات، وغيرها، إلى كل من يعرفونهم ولا يعرفونهم، وإلى هنا ولا مشكلة كبيرة في الأمر، ولكن مكمن الخطورة أن هذه الرسائل تحتوي، ويكاد يكون ذلك غالبها الأغلب، على كم هائل من الإشاعات والأكاذيب والمعلومات المغلوطة والترهات والإساءات، ولكم أن تتخيلوا ما يحصل بعدها!

في السابق كانت الإشاعة أو الكذبة أو المعلومة الخاطئة، بحاجة إلى أيام وربما أسابيع طويلة، حتى تنتشر ولعلها تموت قبل ذلك، في حين أنها صارت اليوم تبلغ الآفاق بلمح البصر، وتتجاوز الحدود السياسية والجغرافية، بل تلف الكرة الأرضية بأسرها خلال أجزاء من الثانية، لترى كيف أن رسالة مكونة من مئات الكلمات والصور وربما مقاطع الصوت والفيديو، يمكن لها أن تنطلق من الكويت فتأتيك من أميركا أو بريطانيا أو أستراليا خلال دقائق، من شخص بعيد كل البعد عمن قام بإرسالها في البداية!

نعم، إن المسألة بهذه الخطورة وأكثر، كما أن هذا المرض سريع الانتشار، ومضاره غير المباشرة أكبر وأكثر بكثير من مضاره المباشرة، ولعلنا في مجتمعنا الصغير صرنا نلمس، وبشكل مستمر آثار هذا المرض، وصرنا نشاهد، وبشكل يكاد يكون يومياً، كيف تنتشر التصريحات البغيضة والإشاعات والأكاذيب، وتتدحرج الفتن ككرات الثلج من كل اتجاه وفي كل اتجاه، لتبقي واقعنا السياسي والاجتماعي متوتراً محتقناً طوال الوقت.

بطبيعة الحال، لا يمكن إيقاف هذه التقنيات المتزايدة والآخذة في الانتشار، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من الأشكال، وكل من سيحاول أن يقوم بذلك، أو حتى يحاول التفكير في ذلك، سيهدر وقته وجهده وماله، دون طائل.

ولا علاج لهذا المرض، وهو الذي صارت تعانيه أغلب المجتمعات ممن أتيحت بيد أفرادها هذه التقنيات، سوى على مستواه التثقيفي التوعوي، انطلاقا من الفرد نفسه، حتى يتوقف عن إعادة إرسال هذه الرسائل التي تصله سواء عبر الإنترنت أو الإيميل أو الهاتف النقال، وهو غير متأكد من محتواها وغير واثق مما فيها، كائنا ما كانت هذه المحتويات من أخبار سياسية أو اقتصادية أو أخبار اجتماعية أو نصائح طبية أو غيرها، فكفى إثما بالمرء أن يحدث بكل ما سمع، وبعد ذلك مروراً بكل دوائر التأثير التي يستطيع الوصول إليها وإرشادها وتعليمها ونصحها، فيبدأ مع أسرته في بيته، وفي دائرة أقربائه، وزملائه، وهكذا.

كذلك يمكن أن يكون التوجيه والتوعية من خلال حملات مجتمعية يمكن أن تقوم بها المؤسسات والجهات المرتبطة والمهتمة بهذا الشأن، كشركات الاتصالات نفسها وذلك من خلال برامج المسؤولية المجتمعية التابعة لها، والمؤسسات التربوية والتعليمية، والأجهزة الإعلامية الرسمية وغيرها، وهكذا. وهذا المقال ما هو إلا محاولة بسيطة مني، من موقعي هذا، لقرع جرس التنبيه لهذه المشكلة الخطيرة، على أمل أن يتفاعل معها من سيصله المقال، كل من موقعه، لعمل شيء ما، فليس أحد منا في مأمن من هذا الخطر الداهم.