الجمعة الماضية، وبعدما فرغنا من صلاة الجمعة، إذا بالخطيب يستوقف المصلين لكلمة إضافية، فجلس أغلبهم للاستماع، وكنت من هؤلاء الذين جلسوا.

Ad

في الجزء الأول من حديثه، تحدث الخطيب عن أهمية الاستفادة من أوقات رمضان في النافع من الأعمال، منبهاً إلى خطورة إضاعة الوقت أمام الفضائيات في هذه الأيام المباركة، وهذه دعوة طيبة ولا شك، لكن «غير» الطيب كان في الجزء الثاني من كلمته، حيث تحدث عن وفاة د. أحمد البغدادي، وانطلق هادراً غاضباً، حتى وصل إلى نعته بالإلحاد وأنه قد هلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

لم تسنح لي الفرصة لأن ألتقي الدكتور البغدادي، رحمه الله، في حياته، ولم أعرفه إلا من خلال قراءاتي المتفرقة العجلى لبعض ما كتب هنا وهناك، وأعترف بأني لم أكن على وفاق مع خيوط أفكاره التي كان بعضها يتكشف لي، لكن ما عرفته يقيناً عن الرجل، وبشهادة من أثق بهم، هو أنه كان مصلياً صائماً، ولم يكن ملحداً أبداً، وحتى لو لم أكن أعرف عنه شيئاً في هذا الجانب على الإطلاق، فلم أكن لأملك الجرأة أمام الله لأن أقول في حقه شيئاً مثل هذا، ولا أدري كيف لأحد أن يقدم على شيء من هذا دون خجل أو وجل؟! صحيح أن للبغدادي كتابات وتصريحات مثيرة حمالة للكثير من التأويلات، ولكن أبسط ما أعرفه عن الدين هو أنه ما دام أحد، أي أحد، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن علينا أن نحمله على المحمل الحسن ما لم يقل غير ذلك صراحة وبكل وضوح لا يحتمل التأويل.

كما أني أتساءل، ما جدوى وفائدة مثل هذا الكلام، أعني اتهام رجل توفاه الله وأفضى إلى ما قدم بالإلحاد؟ ما الفائدة التي ستعود على جمهور من المصلين، كان أغلبهم من الآسيويين، وكبار السن، والبعيدين كل البعد عن البغدادي وعن كتاباته وأفكاره؟! وأيضاً لو كان هذا الخطيب يدين لله حقاً بما قال ولا يخشى فيه لومة لائم، لماذ لم يقله من على المنبر، حيث الخطبة مسجلة مرصودة؟ ولماذا انتظر إلى ما بعد الصلاة حيث توقف التسجيل؟!

لست هنا في معرض الدفاع عن البغدادي، فأنا كما أسلفت لا أعرف الرجل، ولعلي إن اطلعت على ما كتب بشكل متعمق فسأنتهي إلى أن أكون مع من يختلفون معه فكرياً وبشكل جذري، لكنني هنا أدافع عما أعتقد أنه حق ضد ما أعتقد أنه باطل. أدافع عن الدين الصحيح الذي أعتنق وأفهم. دين الإنسانية والكرامة والارتقاء.

ما بدر من هذا الخطيب كان مسيئاً بحق، ولم يكن لائقاً أن يقال في المسجد على الإطلاق، وكم أتمنى على وزارة الأوقاف لو هي ضبطت مثل هذه الأمور، حتى لا تصير المساجد مستباحة لترويج هذه الأفكار ومثيلاتها على يد البعض ممن لطالما خانتهم الحكمة ولازمهم سوء التقدير.