رجحت في مقالتي السابقة «مجلس التعاون العربي» التحليل الذي يرى أن توسيع عضوية مجلس التعاون الخليجي لتشمل الأردن والمغرب، يأتي في إطار التحرك الخليجي الجديد نحو القيام بدور إيجابي وفعال في الساحة العربية؛ هدفه حماية المصالح العربية ووقايتها في مواجهة الرياح العاتية التي تعصف بالمنطقة، إضافة إلى تحصين الداخل العربي أمام التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة.

Ad

وكان هذا التحرك الخليجي الجماعي قد ظهر في أول إرهاصاته بإرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين حين استشعرت المنظومة الخليجية تعاظم المخاطر المحدقة بالبحرين، وذلك تنفيذاً لاتفاقية الدفاع المشترك، وانطلاقاً من مبدأ أن الأمن الخليجي كل لا يتجزأ.

وفي هذا السياق يأتي أيضاً مشروع «المارشال الخليجي» الضخم لدعم البحرين وسلطنة عمان اقتصادياً؛ بهدف توفير ظروف اقتصادية تساعد على التخفيف من الاحتقان الداخلي، وتوفر فرص عمل للآلاف من الشباب العاطلين، كما تجسد هذا التحرك الإيجابي والفعال في الموقف الجماعي القوي من قبل دول مجلس التعاون الخليجي في دعم ثورة الشعب الليبي وحقه في الحياة الكريمة والحرية والخلاص من العبودية والاستبداد، ولذلك كان الموقف الخليجي هو العامل المؤثر وراء القرار الأممي 1973 بفرض منطقة الحظر الجوي لحماية المدنيين في ليبيا من نظام قرر أن يعاقبهم أو يحكمهم.

وفي هذا الإطار يمكن أن نفسر التحرك الخليجي في اليمن من أجل إيجاد مخرج آمن يحقق الاستقرار، ويوفر الطمأنينة للناس على حياتهم ومصالحهم، وبطبيعة الحال فإن هذا الدور الخليجي الجديد لم يأت من فراغ، بل هو بعض إفرازات التغييرات الحاصلة في الساحة، ومن أبرزها انكفاء الدول العربية الكبرى، وعلى رأسها مصر على مشاكلها الداخلية، الأمر الذي أوجد فراغاً واسعاً وخطراً في الساحة العربية يتطلب من المجموعة الخليجية القيام بمسؤولياتها القومية تجاه قضايا أمتها.

وقد حرصت على إبراز أن هذا الدور الإقليمي لدول الخليج ليس موجهاً إلى إيران أو تركيا، ولا يستهدف التدخل في الشؤون الداخلية لإيران، كما أن توسيع العضوية الخليجية لا يشكل محوراً جديداً إزاء محاور أخرى عربية أو إقليمية معينة، وإنما يستهدف حماية المصالح الوطنية الخليجية والعربية في ظل الفراغ العربي الناشئ عن انشغال الدول العربية بترتيب أوضاعها الداخلية.

فهو دور إقليمي بموازاة أدوار إقليمية أخرى: إيرانية وتركية وغربية وإسرائيلية وأميركية قد يتقاطع معها أحياناً، وقد يتصادم معها أحياناً أخرى، ولكنه ليس بالضرورة موجهاً ضد أحد إلا في حالة الإضرار بالمصالح العربية من خلال التدخل في الشأن العربي.

ولعل خير من عبر من هذا المعنى وفنّد كثيراً التكهنات المثارة حول دوافع التوسع الخليجي، وزير خارجية عُمان، يوسف بن علوي الذي قال في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط: «المفاجأة كانت هي المحرك لكل الشكوك والاجتهادات التي انطلقت عقب دعوة مجلس التعاون المغرب بالانضمام، ولكن الحقيقة هي أننا نريد تقوية العلاقة بين دول المشرق العربي والمغرب العربي، ولدينا ليبيا تمر بأزمة وتونس استقرت إلى حد ما، وسورية يتبعها الأردن ولبنان وفلسطين، ومصر إن شاء الله تستطيع أن تتجاوز هذه المرحلة وتقوم بدورها التاريخي، واليوم نمر بحالة «فراغ سياسي» لم يكن قائماً قبل كل هذه الأحداث، وكانت الصورة واضحة للعمل العربي وكيفية قيادته والتعامل مع القضايا المهمة الإقليمية والدولية، أما الآن فقد أصبح هناك عدم وضوح في هذا كله، ومن ثم جاءت فكرة لتحقيق التضامن مع المغرب العربي».

وقد حرص بن علوي على التأكيد أن المجلس سيأخذ في الاعتبار مواقف الدول المغاربية الأخرى وبخاصة الجزائر، ونفى أن يكون توسيع العضوية مخططاً لعزل مصر، وقال: «إن مصر لا يمكن عزلها». المدهش في ردود الفعل الدولية والإقليمية على توسيع المنظومة الخليجية أن إيران حتى الآن لم تظهر موقفاً معيناً وكذلك تركيا وأيضاً الدول الكبرى، وحدها الجزائر كانت قلقة من الدعوة الخليجية لانضمام المغرب، إذ عبر وزير الدولة الجزائري عبدالعزيز بلخادم عن استغرابه من سعي مجلس التعاون الخليجي إلى ضم المغرب، ومعروف أن الحدود البرية بين المغرب والجزائر مغلقة منذ 17 عاماً، بسبب قضية الصحراء وتعثر رابطة الاتحاد المغاربي، في حين حرص المغرب على تأكيد عدم وجود تعارض بين انضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي وعضويته في الاتحاد المغاربي.

أما في فلسطين فقد كشف مسؤول فلسطيني عن إمكانية انضمام فلسطين إلى دول مجلس التعاون الخليجي عند إقامة الدولة الفلسطينية، وقال إن ذلك سيمثل امتداداً طبيعياً بين فلسطين ودول الخليج، ودفعة مهمة على صعد مختلفة: سياسياً واقتصادياً وجغرافياً.

وفي حين يؤكد الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية البحرين ألا أهداف عسكرية لضم الأردن والمغرب لمجلس التعاون نجد سفير البحرين في فرنسا يصرح للصحفيين بأن للدولتين- الأردن والمغرب- ثقلاً عالمياً، ومن ثم فإنهما ستساعدان مجلس التعاون وستعززان موقف دول المجلس على طاولة التفاوض، وسيصبح المجلس أقوى عسكرياً، وبالتالي فإنهما تشكلان قيمة بالنسبه إليه.

أما بالنسبة إلى ردود الفعل على مستوى الكتّاب الخليجيين وغيرهم فهي متلونة غالباً بصبغة مواقف دولهم- غير المعلنة- أو بصبغة الرأي العام الخليجي المصدوم، ومن أطرف المقالات التي قرأتها في هذا الموضوع مقال الزميل أحمد علي «حتى لا يشكل انضمام المملكتين عبئاً على كاهل الخليجيين». إذ عبر عن مخاوفه من أن انضمام الأردن والمغرب يعني دخول «التعاون» في صلب مشاكلهما الداخلية، ويضيف: «تكثر التساؤلات الشعبية المشروعة حول شكل وملامح وشخصية مجلس التعاون الموسع الذي سيرتدي الكوفية الأردنية والتكشيطة المغربية، إذ إن المجلس سيضم خليطاً من الدول العربية، فينبغي أن تتغير كلمات الأغنية الشهيرة «أنا الخليجي» لتنسجم مع «الخلطة التعاونية» الجديدة، فتصبح «أنا الخليطي» و»خليطنا واحد».

ويؤكد القطري أحمد عبدالملك أن التقارب العربي في مصلحة العرب، لكن تمكين البيت الخليجي هو المطلوب أولاً، ويشاطره القطري عبدالعزيز الخاطر في أن على المجلس أن يحقق وجوده الداخلي قبل الهروب إلى الوجود الخارجي، ويطالب السعودي خالد الدخيل بمراجعة القرار، أما سلمان الدوسري فيرحب بالانضمام لأنه خطوة استراتيجية، بينما يخشى السعودي داود الشريان على «الخليجي» الذي سيواجه منافسة غير عادلة في سوق العمل أمام الأردنيين والمغاربة.

وينبه عبدالرحمن الراشد إلى تداعيات غير محسوبة منها إضافة جبهتين جديدتين «فلسطين- الأردن واتفاقية السلام»، فهل المجلس مستعد لمواجهة استحقاقاتهما؟ في المقابل يشيد الكويتي عبدالله الشايجي بالقرار ويصفه بالمبادرة الجريئة والتفكير الاستراتيجي المتحوط للأخطار والمتغيرات.

أما د. الرميحي فيتمنى أن يكون القرار قد اتخذ بعد تفكير استراتيجي لا من منطلق تكتيكي، ويفضل الإماراتي عبدالله عمران العودة إلى الحكمة الخليجية التي تقتضي أن نبقي على مجلس التعاون، ونعزز مسيرته وفي نفس الوقت ندعم الجامعة، بينما يذهب مواطنه محمد الحمادي إلى اغتنام الفرصة التاريخية التي لا تتكرر في تدعيم الاتحادات والتكتلات الإقليمية في ظل تراجع دور مصر وابتعاد سورية.

ورأت الإماراتية عائشة المري في القرار خطوة استباقية في ظل تبدل الحقائق على الأرض، بينما أبدى الإماراتي أحمد المنصوري خشيته من تأخر الوحدة الخليجية! وأخيراً يرى خالد القشطيني في القرار تتويجاً لما يسمونه بالربيع العربي، إنه إذن الزمن الخليجي.

* كاتب قطري

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة