الواضح أن العرب، إن لم يكن كلهم فأغلبهم، قد أخرجوا القضية الفلسطينية من جداول أعمالهم وأصبح اهتمامهم الوحيد ينصب على متابعة وملاحقة هذه الأمواج «التسونامية» التي بعد أن ضربت تونس ومصر وخلَّفت كل هذه التغيرات، التي لم تستقر على وضعية دائمة بعد، انتقلت إلى دول أخرى في هذه المنطقة التي هي في حقيقة الأمر لم تهدأ ولم تستقر منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن.

Ad

الآن هناك حالة جدل جديٍّ في إسرائيل عن عملية السلام وإمكانية أن تبقى الدولة الإسرائيلية الطفل المدلل للولايات المتحدة، على اعتبار أنها واحة الديمقراطية الوحيدة في هذا الشرق الذي لا يزال يغرق في واقع العصور الوسطى حتى أذنيه، ولذلك وفي ضوء كل هذه التحولات الجدية، التي غدت تجتاح المنطقة والتي ستقتلع حتماً كل هذه الأوضاع المزرية التي كان يستند إليها الإسرائيليون لإقناع العالم بأن السلام مع مثل هذه الدول العربية سيكون مغامرة مكلفة غير مضمونة العواقب، فإنه لابد من تحرك عربي لالتقاط هذه اللحظة التاريخية.

يقول «عقلاء» الإسرائيليين إنه بعد هذا الذي حصل في تونس وفي مصر، والذي قد يحصل في إيران وسورية وبعض دول المنطقة، لابد من إدراك أن العلاقات الإسرائيلية - الأميركية لن تبقى على ما هي عليه، وأن الأميركيين، الذين يشعرون الآن بأنهم إنْ هُم أوصلوا الديمقراطية إلى كل الدول العربية وكل الدول الشرق أوسطية فإنهم سيحققون أهم انتصارٍ منذ الحرب العالمية الثانية، وسيلتفتون هذه المرة إلى عملية السلام بكل جدية، وأنهم بالتأكيد سيمارسون ضغوطاً حقيقية على إسرائيل كي تقبل ما بقيت ترفضه هذه الحكومة التي يرأسها هذا الثنائي المتطرف بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان.

ولهذا ولأن باراك أوباما بات يشعر، بعد حصول ما حصل في تونس وفي مصر وما قد يحصل في إيران وفي بعض الدول العربية، أنه حقق انتصاراً تاريخياً فإنه على العرب أن يستيقظوا ويتخلصوا من حالة الاندهاش التي يعيشونها ويبادروا إلى استغلال هذه اللحظة التاريخية، لينتزعوا من الأميركيين ولو كبداية إدانة للسياسات الاستيطانية الإسرائيلية والتمهيد للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة على الأراضي الفلسطينية التي احتلت في عام 1967، أي على حدود الرابع من يونيو1967 بما في ذلك القدس الشرقية.

ربما لا يجد بعض العرب الذين باتت تصطكُّ أسنانهم وترتجف فرائصهم خوفاً من وصول هذا «التسونامي» إلى بلدانهم، مجالاً للانشغال بـ»ترف» القضية الفلسطينية وهمومها، لكن على هؤلاء أن يدركوا أن تحقيق أي إنجاز على هذا الصعيد سيكون بمنزلة تعزيز لصمودهم وصمود أنظمتهم في وجه هذا الخطر الداهم، ولذلك فإن عليهم أن يستفيقوا وأن ينتشلوا أنفسهم من حالة «الانبهار» التي غدوا يعيشونها، وأن يبادروا، بسرعة، إلى الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية ويحققوا إنجازاً بات ممكناً على صعيد القضية الفلسطينية.

إنه من غير المتوقع أن يحصل في إسرائيل مثل هذا الذي حصل في تونس وفي مصر، والذي قد يحصل في إيران وفي بعض الدول العربية، لكن ما يجب إدراكه والتصرف على أساسه وفي ضوئه هو أن الإسرائيليين باتوا يشعرون أنهم إذا بقوا يسبحون ضد التيار وبقوا يتعاملون مع عملية السلام بطريقة ما قبل هذه التحولات التاريخية فإنهم سيخسرون الولايات المتحدة وسيخسرون العالم، وهذا يعني أنه على العرب أن يتحركوا بسرعة لاغتنام هذه اللحظة التاريخية.