المكان حين يصبح زمناً
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
الكاتب أكثر من غيره يحن إلى أمكنته حين تتغير وتتحول إلى أزمنة. يتذكرها كصور عابرة تنتابه دون أن يتمكن من تحديدها. ولا أرى أحداً يعشق الاعتداء على المكان ويعشق تدميره كما نهوى نحن في الكويت. رأيت بنايات عملاقة وجميلة بأشكال هندسية خلابة، ولم أر إنساناً ينتمي إليها، وتلاشت أمكنة نعشقها وبيوت نشأنا بها وعشنا طفولتنا حولها. تتغير الأمكنة ويتغير الناس من حولك تختفي وجوه تعرفها، وتأتي وجوه تتعرف عليها بصعوبة. لا رائحة للأمكنة ولا لون للبشر. لا أعرف لماذا نفهم التنمية والتطور بقتل الماضي مكاناً أو معلماً. ولكنني أعرف أننا أخطأنا في السابق ولم نستطع خلق المكان ليعيش. لو كان باستطاعتنا أن نبني– على سبيل المثال- مدينة جامعية أو قرية تراثية لما تاهت صور الأمكنة كما هو الحال الآن. لو استطعنا أن نتخلص من الأمكنة المؤقتة لما داهمنا هذا الجديد دون أن نتفاعل معه، ولما أصبح في ذهن كل منا صور يتذكرها زمنياً ويفتقدها مكانياً. حين يسألني الزملاء عن الجيل الجديد في الكتابة الكويتية أتوقف دون إجابة. لا أجد أسماء أطرحها. فالذي يحرك الأدب غالباً هو علاقة الأديب بمكانه وزمانه. والانفصال الحالي بين المكان كعنصر أدبي والزمن لا يوحي بأننا أمام جيل قادم يعرف إلى أين ينتمي. لم أتعرف على قاص حقيقي ولم ألتق شاعراً مبشراً، وكأننا نعيش عقماً ليس له من تبرير. ربما يختلف البعض معي في أسباب تردي المشروع الأدبي، وربما لا يرى علاقة بين ما طرحت والعقم الإبداعي الذي نعيشه، ولكن لا أحد– فيما أعتقد- يختلف معي على وجود العقم. أتصفح كل يوم صفحاتنا الثقافية وكلي أمل في العثور على نص يتيم لكاتب كويتي ولا أجد. وهذه حالة لم نعشها منذ الثمانينيات، وإذا لم يكن قتل المكان سبباً فيها فلنبحث عن أسبابها. في كل مرة أزور معرض الكتاب وأمنيتي أن أعود بكتاب جديد لكاتب جديد، وفي كل مرة أفشل.