البدون منّا وفينا

نشر في 23-02-2011
آخر تحديث 23-02-2011 | 00:01
 أحمد عيسى قبل المتن:

عيد استقلال سعيد، وعيد تحرير مجيد، فلنغلق أعيننا لحظة ونتأمل حال هذا الوطن على مدى 50 عاما وخلال 20 عاما، فالكويت أكبر منا جميعاً، ويجب أن نخلص لها ونعمل لرفعة شأنها كل من محله وموقعه، لأنها بكل بساطة تستحق منا ذلك دون فضل أو منّة.

***

ربما كانت التظاهرات التي خرج بها «البدون» الجمعة الماضية وما تلاها مدخلا مهما لتسليط الضوء على قضيتهم من جانبها الإنساني بعيداً عن السياسة والعنصرية، فرغم أن قضية «البدون» لها جانب مؤلم، فإنها كشفت نفساً عنصرياً بغيضاً لدى شريحة مريضة من الكويتيين الذين تناسوا أن «البدون» بشر منّا وفينا، ومن تسبب في معاناتهم أخطاء الدولة الفادحة.

هناك شقان في المسألة: إنساني وسياسي، فإنسانياً نبدأ بالتأكيد أنه من غير المقبول حرمان أي إنسان من حق عيش حياة كريمة، مهما كانت المبررات ومهما كان أصله أو جنسه أو عرقه أو دينه أو جنسيته، فالإنسان مطلق، وجميعنا كوننا بشراً يجب أن نحظى بذات الحقوق الإنسانية الواردة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والذي جاء في الفقرة الثالثة من ديباجته «من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم».

وقضية «البدون» في الكويت تتحمل الدولة مسؤوليتها بالدرجة الأولى، والدولة هي حكومات ومجالس تعاقبت منذ صدور قانون الجنسية 1959 والتعديلات اللاحقة عليه لم تحل القضية، فلم نر تقدماً ملموساً بحل القضية سوى بتغيير مسمى اللجنة المركزية لحل مشكلة «البدون» إلى اللجنة المركزية لتعديل أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وكأن الدولة تقر بوجود مقيمين بصورة غير قانونية على أرضها إلا أنها مع ذلك لا تعالج مشكلتهم أو تعدل أوضاعهم، بل تحرمهم من حقوقهم المبدئية، ثم تأتي وتعتمد عليهم في قواتها المسلحة، وتفرزهم لشرائح: بعضهم يمكنه العمل في القطاعات الحكومية، وآخرون منبوذون يعملون بالقطاع الخاص بأجور زهيدة ومتدنية، وتقسم المستحقين للتجنيس إلى شرائح أبناء شهداء ورافضي الحصول على الجنسية وفقا للمادة الثانية، وحاملي إحصاء 1965، وهو أول إحصاء رسمي للكويتيين والمقيمين، وبعد كل ذلك لا تقدم ولا تؤخر وتبقي الحال على ما هي عليه، فلا تجنس ولا تعدل أوضاعهم، بل تستمر في الاستفادة من خدماتهم فنيا وصحافياً وثقافياً ورياضياً واقتصادياً وتدمجهم في أنشطة الدولة وهويتها دون مقابل، ثم تعود بعد كل هذا وتنكر حقهم بعيش حياة كريمة.

أما في الشق السياسي لقضية البدون، فنجد الحكومة دائما ما تربط بين حل مشكلة «البدون» والتجنيس، وتلمز من زاوية أصول بعض «البدون» أو حملهم جنسيات أخرى ووجود قيود أمنية على بعضهم الآخر، وهذا بحد ذاته عيب بحق الدولة، فكيف تعترف بوجود قيود أمنية على أشخاص وتبقيهم أحراراً دون تقديمهم إلى محاكمة تدينهم أو تبرئهم، وتؤكد علمها بأصول بعض «البدون» وجنسياتهم، ومع ذلك تبقيهم ضمن شريحة المقيمين بصورة غير قانونية.

الأساس في معالجة قضية «البدون» يبدأ بإقرار مقومات وضمانات تكفل لهم عيشاً كريماً يقيهم ذل الحاجة، ومنحهم حق الإقامة دون التضييق عليهم وحرمانهم من الحصول على وثائق زواج وشهادات ميلاد وتعليم أبنائهم، وهذا ما كان يجب أن يحدث منذ عشرات السنين وليس اعتباراً من الجمعة الماضية بعد خروجهم بتظاهرات تذكر بعدالة قضيتهم، أما من يستحق التجنيس منهم فيحصل على الجنسية بحكم القانون، فلا نعلم ما هو هاجس الحكومة من تجنيس المستحقين، فقد أقدمت يوماً ما على التجنيس بشكل عشوائي لموازنة التركيبة السياسية، وتغاضت أيضاً عن مزدوجي الجنسية، لذا فمسألة إقناعنا باعتزامها «الآن» حل مشكلة «البدون» أمر تحوطه شكوك عديدة ولن يؤكده إلا إقدامها على حل القضية بشكل جذري وليس عبر التسريبات الصحافية.

كما تمتلك الدولة اليوم التكنولوجيا التي تكشف المستحقين للتجنيس بحكم الدم والنسب، ولديها القدرة على التواصل مع الدول التي يعتقد أن مجاميع من «البدون» أتت منها أو تحمل جنسيتها، فلتقم بدورها وتفتح جميع الملفات وتنظر فيها وتنهي هذه المسألة بدلا من إبقائها رهينة المزاج السياسي والوضع الاجتماعي والضغط الدولي، خصوصاً أن لدينا حاليا حكومة مدعومة نيابياً بشكل مفزع يتيح لها حرية الإدارة والتشريع بما تراه مناسباً.

إذا لم تعالج الدولة هذا الملف فستبقى تؤجل وتؤجل حتى تفاجأ يوماً ما بأن الوضع الأمني تعدى مجرد التظاهر السلمي إلى ما هو أبعد، فتتحسر حينها على عدم فهم مدلولات الفقرة الثالثة من ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الناصة على أنه «من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم».

back to top