ما قل ودل: ويظل د. المسلم محتفظاً بحصانته البرلمانية
بعيدا عن التحليل السياسيبادئ ذي بدء فإني لا أملك ما يملكه غيري من أدوات التحليل السياسي، لطلب رفع الحصانة القضائية عن النائب د. فيصل المسلم، والذي أدى إلى ما أدى إليه من أحداث وتداعيات واستجواب ومواقف حاول أصحابها بناءها على تحليلهم السياسي، وهو تحليل كاد يبعدنا عن المنظور الدستوري والقانوني لطلب رفع هذه الحصانة، وهو المنظور الذي أحاول أن أمسك بأدواته فيما يلي:
طلب رفع الحصانة القضائيةيقوم هذا الطلب على أن الواقعة التي تحققهتا النيابة العامة، والتي أصدرت فيها قرار اتهامها للعضو، وقعت خارج مجلس الأمة هي اشتراك العضو مع مدير فرع أحد البنوك بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة على الحصول على شيك لأحد عملاء البنك وقيام موظف البنك بتصويره وتسليم صورته للنائب، ولهذا فقد طلبت النيابة العامة رفع الحصانة القضائية أو الإجرائية عن النائب إعمالا لأحكام المادة (111) من الدستور التي تحظر في غير حالة الجرم المشهود، أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر... إلا بإذن من المجلس".الرأي الآخرإلا أنه كان هناك رأي آخر في الأزمة التي تفجرت، بمناسبة طلب رفع الحصانة البرلمانية عن النائب د. فيصل المسلم، يرى أن طلب رفع الحصانة عنه انتهاك لنصوص الدستور، لأن الفعل المؤثم جزائيا الذي اتهم النائب بارتكابه، وهو إفشاء السر المصرفي، كان الغرض منه ممارسة النائب لعمله البرلماني في سؤال برلماني واستجواب وجههما إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، الأمر الذي يتمتع فيه النائب بحصانة برلمانية ضد أي مؤاخذة، في ما نصت عليه المادة (110) من الدستور من أن "عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال"، وهي حماية مطلقة، لا يملك مجلس الأمة رفعها عنه. الحصانة البرلمانية مانع من المسؤوليةوالواقع أن الإعمال الصحيح لأحكام المادة (110) من الدستور إنما يكون مجاله أمام المحاكم، عندما ترفع الحصانة القضائية أو الإجرائية عن العضو، فهي مانع من موانع المسؤولية، ينتهي إلى عدم مسؤولية النائب جزائيا وعدم عقابه سواء كان فاعلا أصليا أو شريكا، ولكن هذا المانع يرتبط بشخص النائب ولا أثر له على الفعل المؤثم جزائيا ذاته، فلا يرفع مانع عدم مسؤولية النائب عن الفعل عدم مشروعيته، ويظل باقي مرتكبي الفعل مسؤولين جزائيا ومستحقين للعقاب.والقرار في هذه الحالة لا ينعقد لمجلس الأمة بل للقضاء وحده احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات، ومن ثم فإن من حق النائب د. فيصل المسلم لدى مثوله أمام القضاء، بعد رفع الحصانة القضائية عنه، أن يدفع التهمة عن نفسه، بالاستناد إلى المادة (110) من الدستور، والتي تمنع مؤاخذته جزائيا عند استخدام حقوقه الدستورية والبرلمانية في المجلس أو في لجانه.وقد ترى المحكمة التي سوف يمثل أمامها النائب أن إفشاء السر المصرفي كان لغرض مشروع هو استخدام النائب إحدى وسائل الرقابة البرلمانية، وتعتبر ذلك عنصرا مخففا للعقوبة عند عقاب باقي مرتكبي فعل الإفشاء، على هدي ما قضت به المحكمة الدستورية في الكويت بجلسة 14/6/1986 في طلب التفسير رقم 1 لسنة 1986، من أن الالتزام المتعلق بسر المهنة المصرفية ليس التزاما مطلقا، بل هناك حالات تبرر الخروج عليه لاعتبارات تفوق أهميتها مصلحة صاحب الأسرار، وذلك حينما يتطلب الأمر تغليب المصلحة العامة، وهي الأولى بالرعاية على حفظ السر.لا انتهاك للدستور والواقع أنه لم يكن هناك انتهاك للدستور، في طلب رفع الحصانة القضائية أو الإجرائية عن د. فيصل المسلم أو في رفعها عنه ضمنا، بل كان كل ذلك صونا لأحكام الدستور، وترسيخا لحماية العدالة، وكفالة حق التقاضي، واحتراما لمبدأ الفصل بين السلطات، وهو ما سنتناوله في مقال قادم بإذن الله.