ربما كانت سنوات الطفولة، أو البيئة الاجتماعية، أو الجو الأسري، أو مدى الانغماس في نهر الحياة، ودرجة الوعي بضرورة وقيمة الفن، وقد يكون هذا وذاك مجتمعاً، هو من يتحكم في قدرة لوحة فنية على أسر اهتمام إنسان دون آخر. وبالتأكيد لهذا علاقة وطيدة، بمواد اللوحة وموضوعها وأجوائها وإتقان الصنعة الإبداعية الفنية فيها. لكن، ما هو مؤكد أيضاً هو أن لوحة فنية بذاتها قادرة على لفت نظر متلق بعينه، ومسّ شيء في ذائقته وذاكرته وقلبه ووجدانه، ومن ثم الاستحواذ على اهتمامه، مروراً بإعجابه، وتوقفه ملياً أمام تفاصيل العمل، عبوراً إلى اقتناء العمل، وأخيراً تلك العلاقة المتنامية والمتجددة بين الإنسان واللوحة التي اقتناها.

Ad

إن المتتبع لحركة اللوحة التشكيلية على الساحة الفنية والثقافية الكويتية، إن على المستوى الرسمي، ممثلاً في طبيعة المعارض التي يقيمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أو على المستوى الأهلي ممثلاً في المعارض التي تنظمها الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، وأخيراً على مستوى الغاليرات التجارية، يلاحظ انكماشاً وتقهقراً، في العقد الأخير، قد أثر سلباً على العلاقة بين اللوحة والمتلقي. وخير دليل على ذلك قلة إقبال الجمهور على المعارض التشكيلية، باستثناء لحظات الافتتاح الاحتفالية، وكذلك كساد سوق اللوحة التشكيلية، وأخيراً المساحة الضئيلة التي يحتلها الفن التشكيلي على سلم أولويات المواطن والمقيم في الكويت. لكن تفاؤلاً يبشر بالخير بدأ يلوح خلال السنتين الماضيتين، يتمثل في اشتعال المنافسة الإبداعية بين عدد كبير من الشابات والشباب الكويتيين المشتغلين بالفن التشكيلي، رسماً ونحتاً، وكذلك المغامرة بافتتاح أكثر من غاليري تجاري جديد، وبدء التنافس الجميل بين مختلف المعارض الفنية الرسمية والخاصة، لتقديم المبدع والجديد والمتميز من الفنانين والأعمال.

إن منافسة مشروعة بين معارض الغاليرات الفنية التجارية في الكويت، تبعث على الفرح والتفاؤل، خاصة إذا ما اقترنت هذه المعارض بموسم ثقافي لكل غاليري، عبر محاضرات ثقافية وفنية أو عبر أمسيات موسيقية، وربما أمكن عد غاليري «تلال»، بوصفه أحد الغاليرات التجارية التي لفتت الأنظار إليها، من خلال ما تقدمه من معارض وأنشطة ثقافية وفنية مصاحبة.

الفنان التشكيلي المصري علاء حجازي، أقام معرضه التشكيلي الأخير خلال الأسبوع الماضي في غاليري «تلال» تحت عنوان «ملحمة إنسانية». وإذا كان الوطن العربي يعيش منعطفاً تاريخياً راهناً، يتمثل في انتفاض الشعوب العربية السلمي، وتحديها الموت في سبيل حصولها على حريتها المشروعة، وأن تاريخاً جديداً يُكتب بالدم والأمل للشعوب والأوطان العربية، فإن الإنسان هو الثيمة الأساس لمعرض حجازي، والإنسان في أكثر ما يكون تجلياً عبر فن «البورتريه»، وأكثر ما يكون فن البورتريه قدرةً على مسّ القلب، حينما يكون بالألوان المائية.

إن مغامرة العمل باللون المائي تتطلب رؤية خاصة لجوهر الفن والحياة، وكأن شفافية وصراحة اللون المائي قادرة على تجسيد معنى الحياة البشرية العابرة، وقادرة من جهة أخرى على فضح ما خلفها، وهذا يتطلب من الفنان الذي يعمل بخامة الألوان المائية وعياً حياتياً خاصاً وموهبة فنية عالية، وجهداً وتركيزاً وحساً مرهفاً.

التاريخ سيسجل للشعب المصري ثورته السلمية طريقاً للحياة الكريمة، مثلما سيسجل له تضحياته الكبيرة في سبيل تأمين العيش تحت ظلال الحرية والديمقراطية. وأن نظرة متأنية لمعرض الفنان علاء حجازي الأخير، تقول بإيمانه وولعة بالإنسان صانع الحياة، وأن معرضه يعدّ بمنزلة تحية للثورة عبر تخليد إنسانها البسيط والمبدع.