يصرّ المسؤولون ورجال الدين الإيرانيون على أن الانتفاضة المصرية والثورات الشعبية المماثلة في أنحاء العالم العربي هي مستوحاة من الإيديولوجيا السياسية الإسلامية، وتعود في الأصل إلى الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه في عام 1979، لكن لقادة المعارضة والمحللين السياسيين المستقلين وجهة نظر مختلفة. بحسب رأيهم، تشكل الديمقراطية، لا النزعة الإسلامية، السبب الرئيس للحشد الشعبي، كما أنّ نظام طهران يخشى الآن أن تشهد البلاد انتفاضة مشابهة لانتفاضة مصر.بعد أيام من التردد في إطلاق المواقف، يبدو أن الجمهورية الإسلامية قررت اليوم النهج الذي ستتبعه، فقد وقع 214 نائباً في البرلمان على بيان يتعهد بتقديم دعم «روحي» قوي للمصريين في وجه «استبداد حكامهم». يدين البيان أيضاً «الجهود التي تبذلها بعض البلدان الغربية [مثل بريطانيا والولايات المتحدة]، فضلاً عن النظام الصهيوني [إسرائيل]، لاستنزاف معنى الانتفاضة وفصلها عن القيم الإسلامية».
ادعى القائد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، الذي أمر بقمع المحتجين المطالبين بالديمقراطية في إيران، عام 2009، عبر استعمال وسائل العنف، على صفحته الإلكترونية، أنه توقع حصول الثورة المُنادية بالديمقراطية في مصر، لا بل كان يشجع على حصولها شخصياً، لكنه لم يقدم أي تبريرات لتفسير هذا التناقض الفاضح في مواقفه، إذ اعتبر خامنئي أن سعي الرئيس حسني مبارك إلى اضطهاد «الإخوان المسلمين»، أكبر حزب إسلامي في مصر، وتواطئه مع الولايات المتحدة وإسرائيل، سيؤديان إلى دماره.في مدخل صفحة إلكترونية تحمل عنوان «نظرة القائد الأعلى إلى مصر»- وهو عنوان اقتبسه شايان غجر على موقع InsideIran.org- قال خامنئي إن نضال «الإخوان المسلمين» «يشبه الصرخة التي أطلقتها الأمة الإيرانية ضد الولايات المتحدة والغطرسة العالمية والاستبداد» في عام 1979.يتكلم مسؤولون إيرانيون آخرون بالنبرة عينها، فقد صرح اللواء يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري لدى خامنئي، لوكالة أنباء فارس، بأن مبارك سيلقى مصير الشاه عينه، وستتغلب عليه قوات الثورة الإسلامية، وفي حال لم تفهم الحكومات الغربية المغزى مما يحصل، تولى آية الله سيد أحمد خاتمي الموالي للنظام تصويب الأمور، فاعتبر أن الانتفاضات الحاصلة تنذر باقتراب نشوء «الشرق الأوسط الإسلامي» المبني على الدين والديمقراطية الدينية. يشبه النموذج المرتقب نظام الحكم الإسلامي الإيراني، لا الديمقراطية الليبرالية الأميركية.يمكن اعتبار هذه التفسيرات الإيرانية الرسمية للأحداث قابلة للتأويل، وتشير الأحداث القائمة في شوارع القاهرة وتونس حتى الآن إلى أن الجماعات الإسلامية انضمت إلى الشعب بدل أن تقوده بنفسها، ويقول المحتجون المصريون إنهم موحدون في معارضتهم لمبارك، باعتباره رمزاً للظلم، وهم يحتجون ضد غياب الحريات الديمقراطية والفقر ونقص الفرص الاقتصادية وفساد الحكم، ولم يأتِ أحد منهم على ذكر الإسلاميين.يشير الأصوليون إلى أن الثورة الإيرانية لم تحصل بقيادة الإسلاميين في البداية، فقد كانت بدورها ردة فعل طبيعية على سوء إدارة الحكم، ولهذا السبب، عمد مير حسين موسوي، قائد المعارضة الإيرانية الذي هزم محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية لعام 2009، بحسب رأي البعض، إلى الإشادة بالأحداث الجارية في مصر والمطالبة ببعض الثناء أيضاً.فقال موسوي على موقعه الإلكتروني باللغة الفارسية، Kalemeh.com: «ما نشهده اليوم في شوارع تونس وصنعاء والقاهرة والإسكندرية والسويس يعود في الأصل إلى الاحتجاجات المليونية الهائلة التي شهدتها طهران في عام 2009».بحسب رأي شايان غجر، تكشف محاولات إيران لتحوير القصة عن «معطيات أخرى متعلقة بمدى قلق الجمهورية الإسلامية من الأحداث الحاصلة أكثر مما تتعلق بالوقائع الميدانية في القاهرة». سيكون للحكومات الغربية تقييمات مغايرة للدور الإسلامي في مصر، غير أن ملالي إيران لديهم على الأقل من يشاركهم الرأي، حتى لو لم يكن حليفاً لهم بأي شكل: إسرائيل. فقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع: «خوفنا الأكبر هو أن تتحول مصر وغيرها من الحكومات العربية المضطربة إلى أنظمة قمعية قائمة على الإسلام الأصولي».* سيمون تيزدال
مقالات
الثورة المصرية محور التداولات الإيرانية
05-02-2011