وجهة نظر: أزمة الديون السيادية والاستقرار الهش في منطقة اليورو
لا يبدو أن خفض التصنيفات الائتمانية للبرتغال هو آخر المطاف بالنسبة الى أزمة الديون التي تعانيها منطقة اليورو. ولعل اتفاق زعماء أوروبا على زيادة مخصصات صندوق الإنقاذ المالي إلى الحد الأقصى البالغ 440 مليار يورو بحلول شهر يونيو المقبل، إنما هو مؤشر على مدى ارتفاع وجدية درجة المخاطرة التي تعيشها الاقتصادات المدينة.
كما أن تأجيل الاتفاق على حزمة الإجراءات الشاملة لمعالجة الأزمة، التي كان مقررا الكشف عنها بحلول نهاية الشهر الجاري إنما يشير هو الآخر إلى وجود خلاف أوروبي – أوروبي بشأن آلية توزيع منافع شبكة الأمان الأوروبية. قدرة الاتحاد على التصدي لأزمات أخرى إن رفض البرلمان البرتغالي خطة التقشف التي تهدف إلى تجنب البرتغال مصيرا مشابها لما حدث في اليونان وأيرلندا اللتين اضطرتا في نهاية المطاف إلى طلب مساعدات مالية من صندوق الإنقاذ الأوروبي وصندوق النقد الدولي، يشير هو الآخر إلى تباين في المواقف الداخلية لدول الاتحاد الأوروبي من السياسات التي يدعو إليها الاتحاد، تماما كما هي الحال بالنسبة الى مواقف العديد من الدول المقترضة تجاه صندوق النقد الدولي. وإذا كانت دول الاتحاد الأوروبي وبدعم من صندوق النقد الدولي قد نجحت، حتى الآن على الأقل، في احتواء أثر انكشاف الاقتصادين اليوناني والأيرلندي بحزمة معونات ائتمانية وصلت قيمتها إلى 195 مليار دولار، فان خبراء الشؤون المالية الأوروبية غير متفقين على قدرة الاتحاد على التصدي بنفس الدرجة من النجاح لأزمة الاقتصاد البرتغالي، فضلا عن مشكلات الديون الكامنة والقابلة للتفاقم في دول أخرى من دول الاتحاد البالغ عددها 27 دولة. ومن المرجح أن تنضم اسبانيا وايطاليا وبلجيكا إلى هذه القائمة إذا لم تعمل هذه الدول على إيجاد مخارج سريعة لأزماتها. شمال أوروبا وجنوبها لقد أسهمت أزمتا اليونان وايرلندا في حدوث تصدع نسبي في وحدة مواقف دول الاتحاد تجاه الأسباب المؤدية إلى تفاقم مشكلة الديون السيادية، فبينما تقف ألمانيا التي تمثل الثقل الاقتصادي المحوري للاتحاد عند رأيها الذي يرجع جوهر المشكلة إلى سوء الإدارة، ترى بلدان أوروبية أخرى أن هذا السبب قد يفسر إلى حد ما أزمة اليونان، ولكنه لا يفسر أزمات الدول الأخرى في الاتحاد، وهي ترجع تلك الأزمات إلى ما تسميه انقسام دول الاتحاد إلى فئتين؛ الأولى هي دول الشمال الأوروبي الأكثر تطورا في مجال التقنية والصناعة والخدمات التي تصدر منتجاتها إلى دول جنوب أوروبا التي لم تعد تحول بينها وبين أسواقها أي حدود جمركية، والثانية هي دول الجنوب الأوروبي التي تعتمد على المتاجرة بالأصول غير المنقولة أي غير القابلة للتصدير مثل التجارة في العقار والأوراق المالية على حساب الإنتاج الحقيقي، وتعاني بسبب ذلك عجزا ملموسا في موازينها التجارية. ويلقي عدد لا بأس به من دول أوروبا باللائمة على سياسات البنك المركزي الأوروبي الذي يحافظ على أسعار فائدة مبالغ بها، تثقل كاهل الدول الأوروبية التي تعاني تفاقم مشكلة المديونية. كما لا يخفي البعض معارضته للمزايا التي تحققها الدول الأغنى في الاتحاد على حساب دول الجنوب الأوروبي. ولست أبالغ إن قلت إن استمرار شد الأحزمة على البطون في بلدان أوروبية متعددة بهدف مواجهة أزمة المديونيات السيادية قد يطيح بآلية الاستقرار الهش على نحو مواز لما يجري في المنطقة العربية، على الرغم من الاختلاف الكبير بين هياكل النظم الأوروبية وهياكل الأنظمة العربية، مما يهدد استقرار منطقة اليورو برمتها ومعها متانة اليورو كعملة احتياطي دولي واعدة. أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت