أرى في الاضطراب المطبق شيئاً إيجابياً، ولا أقول هذا من باب التفاؤل لأجل التفاؤل، لكنني بالفعل أرى أنه سيساعد ديمقراطيتنا على ترميم نفسها وسد ثغراتها، وهنا أعني الديمقراطية كمفهوم عام، شامل للوائح الدستورية والقوانين، والممارسة السياسية، داخل البرلمان وخارجه. علق بعض من قرؤوا مقالي الماضي الذي كان عنوانه «الحكومة هي الخاسر في النهاية»، قائلين إن «الوطن» هو الذي خسر في الحقيقة، ولا أخفيكم أني كنت فكرت بهذا حين كتبت المقال، لكنني تحاشيته، لأني رأيت أن الوطن يجب ألا يخسر أبداً، فهو أكبر من كل شيء. أكبر من النظام، ومن الحكومة، ومن كل الجماعات السياسية ومن كل الأفراد. الوطن ثابت وكل شيء يحتمل أن يتغير، الوطن فكرة سامية خالدة، لا تلوثها ملوثات اللحظات، وإن امتدت!

Ad

بالأمس كتب الأخ المحامي فيصل اليحيى في «تويتر»، أن الصدمة أحياناً تكون أشد من القتل، وهو محق في ذلك، فإن أبلغ تعبير على تطورات الأحداث وما آلت إليه هو الصدمة الشديدة، وأستطيع الآن أن ألمس في أحاديث أغلب من حولي، الاضطراب الواضح، وعدم الثقة بأي شيء من متعلقات ديمقراطيتنا بل حتى أساساتها، وأقصد من حيث ما هو دستوري وما هو غير ذلك، وما يصح وما لا يصح، والكثير من التساؤلات الأخرى التابعة التي أظن أنه قد اتضح لنا جميعا أنها كانت جوهرية وأساسية، وأن الإجابة عنها ستكون ضرورية جداً قبل الاندفاع نحو أي مواجهة في المرحلة المقبلة؟

لكنني مع ذلك، أرى في هذا الاضطراب المطبق، وبالرغم من كل الألم الخانق المصاحب له، شيئاً إيجابياً، ولا أقول هذا من باب التفاؤل لأجل التفاؤل، وإن كان هذا شيئاً جيداً في حد ذاته، فالتفاؤل والإيجابية يساعدان على التفكير السليم، لكنني بالفعل أرى أنه سيساعد ديمقراطيتنا على ترميم نفسها وسد ثغراتها، وهنا أعني الديمقراطية كمفهوم عام، شامل للوائح الدستورية والقوانين، والممارسة السياسية، داخل البرلمان وخارجه.

فعلى سبيل المثال، قبل الاندفاع المحموم نحو أي عمل جديد قد ينتهي إلى مجرد جهد ووقت مهدورين، كما كان الدأب دائما طوال الفترات الماضية التي تميزت برفع السقف عالياً جداً دون قطف أي ثمرة كما أثبتت التجارب المتتالية، نحن بحاجة إلى أن نعرف إن كان هذا العمل يقوم على أساس قانوني دستوري أو لا، فمثلاً نحتاج أن نعرف، هل بالفعل ألغت المحكمة الدستورية قانون التجمعات كله لعدم دستوريته؟ أم أنها ألغت أجزاءً معينة منه وأبقت أخرى؟ وأنه إلى هذه «الأخرى» استندت السلطة في منعها للتجمع خارج ندوة النائب جمعان الحربش؟ وهل هناك بالفعل فراغ تشريعي في هذا الصدد بحسب ما تقوله وزارة الداخلية، وإلى هذا الفراغ ستستند؟!

وغير هذا المثال كثير، لذا فإن ممارستنا السياسية بحاجة ماسة اليوم إلى التوقف لبعض الوقت عن الحركة غير الموجهة نحو هدف واقعي، والانكفاء لبعض الوقت على النفس لوضع كثير من النقاط على الحروف ولإعادة ترتيب الأولويات وفقاً للإمكانات المتاحة ورص الصفوف. لابد من إعادة النظر في مفردات وأدبيات لغة هذه الممارسة، وتغيير التكتيكات وفقاً للمعطيات الجديدة، لأن الإصرار على استخدام الوسائل القديمة نفسها التي يجزم الحكماء بأنها باتت الآن غير مجدية في ظل التطورات الحادة الأخيرة، هو أشبه بمناطحة الصخر.