ثورة النور المصرية

نشر في 06-02-2011 | 00:00
آخر تحديث 06-02-2011 | 00:00
 ياسر عبد العزيز أفضل ما في «ثورة النور»، التي اندلعت في 25 يناير الماضي، أنها أعادت لمصر والمصريين الشعور بالعزة والأمل، وأسوأ ما فيها أنها عرضتهم لشيء من الفوضى، وبعض الانقسام.

يسطر ملايين المتظاهرين من أبناء مصر الشرفاء سطوراً من النور ويفتحون أبواب الأماني على مدى أسبوعين متواصلين، ويقدمون شهداء قرابين للحرية، ويشقون طريقاً نحو المستقبل، بكفاح سلمي نبيل بالحناجر والأيدي والصدور العارية، ويضربون أروع الأمثلة على قدرة هذا الشعب على الاستجابة للتحديات، والبقاء قائداً ومُعلماً ومُلهماً، لكن قطاعاً في الرأي العام المصري بدأ يتخذ مواقف سلبية إزاءهم.

ترى «ثورة النور»، التي تسعى إلى التبلور والاكتمال الآن، أن مصر شهدت في هذا العهد، الذي يتعرض للإطاحة، فترة من أسوأ الفترات التي مرت بتاريخها، وأن اليقين تزعزع في الشخصية المصرية ذاتها، وفقد كثيرون الثقة بقدرتها على استعادة وعيها الجمعي، والانتفاض ضد الخوف والفساد والتراجع والظلم وانهيار العدالة وتطويع القانون.

تعرف «ثورة النور» أن النظام الذي يتعرض للإطاحة الآن، جرّف الحياة السياسية في هذا البلد، واستخدم آليات للفرز العكسي، لانتخاب أسوأ العناصر وأكثرها جهلاً وفساداً، لتصعيدها وتسييدها، وأنه سعى بدأب إلى استبعاد أصحاب الكفاءة والمهارة والفكر الثاقب، والذين يدركون معاني الوطنية والكرامة والشرف، وأنه شوه سمعة رجال، ولطخ تاريخ رجال، ليُفقد الناس الثقة بأي بديل، ويسلمهم مضطرين إلى قبول الوضع الذي اختاره لهم.

تتذكر «ثورة النور»، كيف أذل النظام، الذي يواجه الغضب العارم راهنا، قطاعات واسعة بين المصريين، وكيف قمع وظلم وقهر وعذَب وقتل كثيرين منهم، وأنه ترك بينهم ميراثاً من الخوف والرغبة في اتقاء غضبه، إيثاراً للسلامة.

فرّغ النظام، الذي يترنح حالياً، الحياة المصرية من معنى الضمان الاجتماعي، وأسلم ربع المواطنين إلى الفقر والعوز الصريح، وأبقى نحو نصفهم على حافة الحاجة، مضطرين إلى مهادنة الأوضاع ومسايرة الظروف لقضاء حوائجهم وسد مطالبهم المتصاعدة، في ظل غلاء مطرد وغير مبرر للأسعار.

تقدر «ثورة النور» شعور المصريين المفرط بالوطنية، وحساسيتهم التاريخية ضد أي تدخل أجنبي في شؤونهم، وقبولهم أسوأ الأوضاع، ودفعهم أفدح الأثمان، للحفاظ على استقلالية بلادهم، وصون قرارهم الوطني، مهما كانت التحديات التي تواجههم والمظالم التي تستهدفهم.

ترصد «ثورة النور» مخاوف المصريين جميعاً من هيمنة تيارات مغرضة على هبتها النبيلة، ومن نجاح هؤلاء الذين يخلطون الدين بالسياسة، ويحتكرون الإيمان، ويتلاعبون بالعواطف الدينية الصافية للشعب المصري، في تحقيق مصالحهم الانتهازية في الققز على السلطة على حساب انتفاضة الثائرين الأنقياء.

تحسب «ثورة النور» التكاليف الاقتصادية والاستثمارية الناجمة عن هبتها الحتمية، وتقدر حجم الخسائر والتداعيات، وتضع في الاعتبار مخاوف مصريين كثيرين من تفاقم تلك الخسائر، وانعكاساتها على المقدرات الاقتصادية للبلاد.

تعرف «ثورة النور» أن أكبر انحياز ثقافي مصري على مر التاريخ هو الانحياز إلى «بقاء الأوضاع على ما هي عليه»، وأن تراث الشعب المصري ومخزونه الحضاري ينزع نحو الاستقرار، وينبذ الفوضى، ويقدر الالتزام والضبط الاجتماعي، ويهاب التغيير، ويرتاب بالقادم، ويتعلق بمقولة محورية خطيرة يرددها صغار وكبار، فقراء وأغنياء، حكام ومحكومون؛ مفادها أن «اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش».

تدرك «ثورة النور» أن النظام الذي اكتشف «فجأة» أن عدداً كبيراً من قادته يجب أن يحالوا إلى المحاكمة بتهم تتعلق بالفساد، يستند إلى قاعدة واسعة من الفاسدين واللصوص والمنتفعين والوسطاء والخدم المستفيدين من فتات الهدر وعمولات الصفقات الحرام، وأن هؤلاء لا يدافعون عن مبارك بقدر ما يدافعون عن أنفسهم، وأن إصرارهم على حماية مبارك ليس سوى الخيار الأوحد لهم، والذي يقيهم المحاسبة والسؤال، ويجنبهم دفع أثمان جرائمهم الفادحة.

تسمع «ثورة النور» صوت الأمهات الملهوفات على أبنائهن في التظاهرات أو «اللجان الشعبية» أو الشارع المضطرب، وتقدر رغبة الكهول والشيوخ في ضمان «خروج مشرف ولائق» لرجل «خدم البلاد على مدى ستة عقود وساهم باقتدار في تحقيق أعز انتصاراتها»، وتحترم آراء مفكرين وسياسيين ومثقفين رأوا «أن التغيير المتدرج المرحلي الذي يضمن تحسناً واستقراراً أفضل من الانقلاب الجذري الذي قد يجلب الفوضى».

ولذلك، فإن «ثورة النور» تطور ذراعاً سياسية منتخبة في الميدان، وتبدأ في التفاوض من أجل تحقيق كل مطالبها الوطنية النبيلة المشروعة، وتُبقى سلاحها الماضي الرادع عزيز الأثر، والمتمثل في الخروج المليوني السلمي إلى الشوارع، جاهزاً للاستخدام، في حال تم الانقضاض عليها، أو الالتفاف على مطالبها المشروعة.

«ثورة النور».. ذلك اسمها؛ لذا، فهي لن تأخذنا أبداً إلى الظلام.

***

وردت تعليقات من بعض القراء المحترمين المتابعين لما أشرف بنشره في هذه الزاوية، على مقالي السابق المنشور في 30 يناير الماضي «قادة جدد لأجيال جديدة»، وقد انتقد أصحاب تلك التعليقات ما اعتبروه «تناقضاً وتبدلاً في مواقف الكاتب إزاء الأحداث التي تشهدها مصر»، بالنظر إلى مقال «مصر والدومينو التونسي» الذي نشر في 16 من الشهر ذاته.

عادة ما تفعل «الجريدة» خيراً حين تنشر سطورا منتقاة بعناية من كل مقال وتضعها في مقدمته، في محاولة لتكثيف الفكرة المركزية للمقال وتلخيصها وإبرازها.

وقد كانت الفقرة التي اختارتها «الجريدة» لتلقي الضوء عليها في «مقال الدومينو» على النحو التالي:

«رغم أن مصر لا تعرف تنمية اقتصادية وبشرية كتلك التي تعرفها تونس، ورغم أن متوسط دخل المصري أقل بكثير من نظيره التونسي، ورغم تردي الخدمات الاجتماعية والصحة والتعليم والنقل بمصر مقارنة بتونس، ورغم تزايد الدين العام وتفاقم الغلاء وتزايد معدلات البطالة المصرية فإن حال الغليان والنقمة لدى المصريين لا تقودهم إلى خروج جماعي غاضب كذلك الذي نفذه التونسيون».

لعل الفقرة تكون واضحة، هي وما تخلقه من انطباع، وما ترجوه من حض وإيعاز، ولعلها أيضا تكون كافية لتوضيح واجب لقراء أعزاء، يعرف الكاتب أن تفاعلهم واهتمامهم بما يكتب يعكس أقصى درجات التقدير ويستوجب الاحترام والشكر.

* كاتب مصري

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top