آخر وطن: الحب لا يموت مرتين!

نشر في 24-12-2010
آخر تحديث 24-12-2010 | 00:00
 مسفر الدوسري كل شيء في الحياة من الممكن أن يموت أكثر من مرة ما عدا الحب،

الشجر يموت أكثر من مرة خلال دورة حياته.

التربة...

الكواكب...

النجوم...

حتى الإنسان نفسه، ممكن أن يموت أكثر من مرة، فهناك الموت السريري الذي قد يسبق الموت الأخير، وهناك الموت الأصغر وهو حالات النوم،

إلا الحب... فهو يموت مرة واحدة فلا يعود يحيا.

عندما يموت الحب فمن غير المتوقع منه أن يُبعث للحياة مرة أخرى، ولن تجدي نفعا كل محاولات الإسعافات الأولية، ولا قبلة الحياة، ولا الصدمات الكهربائية، ولا التداوي بالأعشاب، والأهم من كل ذلك أنه لو اجتمع فطاحلة محضّري الأرواح وكبار المشعوذين والسحرة لن يتمكنوا من تحضير روح ذلك الحب بعدما فارق الحياة، ناهيك عن إعادته للحياة من جديد!

لا توجد في الحب فرصة أخرى،

لا توجد محاولة أخرى،

لا توجد لنجرب ثانية،

الحب لا يحتمل الألعاب البهلوانبة، ولا المشي على الحبل، ولا المشي على الجمر، ولا التدريب بالذخيرة الحية، ولا المغامرات غير المحسوبة

الحب شديد الحساسية تجاه كل ذلك، لأن الخطأ وإن كان صغيرا فهو مميت، وعندما يموت الحب لا يعود الى الحياة أبدا... أبدا.

كَذِب من يعطي إرشادات لإعادة الحياة الى الحب، أو من يصف العقاقير، أو من يسدي النصائح الساذجة في هذا الموضوع.

أستغرب من أولئك الذين يرتكبون الحماقات في حق حبهم، معتقدين أن أي خطأ قابل للإصلاح، وأي كسر قابل للجبر، وأن الحسنة تمحو السيئة، وأن ما نزرعه من حنظل في هذا اليوم لن نجني مرارته في الغد، وأن عقوبة القتل الخطأ مخففة في محاكم العاطفة.

عقوبة القتل الخطأ مساوية تماما لعقوبة القتل العمد،

والحب لا ينتظر الإنصاف في الآخرة، ولا يصبر إلى أن يمثل بين يدي الخالق يوم الحساب شاكيا من قتله، وإنما يحصّل حقه في الدنيا، ويثأر لنفسه... حتى قبل أن يبرد دمه.

عندما يموت الحب لا تعود كلمة لم أكن أقصد تجدي نفعا، وليست هذه الكلمة وسيلة ناجعة للحصول على الغفران.

الحب لا يتصنع الموت، ولا يمثله، فهو لا يشارك في المسلسلات التلفزيونية، ولا يعرف الخدع السينمائية، ولن تجد صورته متصدرة «أفيشات» الإعلانات الدعائية للأفلام أو المسرحيات.

الحب لا يموت مرتين لأنه وببساطة لا يعيش مرتين.

بيننا من يحمل تابوتا بين جوانحه، متوهما أن هذا التابوت يضم بين جوانبه نبضا، ويظل يعبر شوارع الحياة ينوء تحت ثقل هذا التابوت، متحملا مرارة الصبر، ومشقة التعب، ووجع الألم فقط لاعتقاده أنه يحمل حبا ما زال ينبض بالحياة!

ومن شدة الوهم الذي يتلبسه لا يشم رائحة الجثة المتعفنة داخل هذا التابوت، بل من الممكن أن يتخيلها شذى لجنائن أوركيد!

البعض لا يعي ذلك ولا يدركه،

لا يفهم أن الحب عندما يموت لا يحيا،

بل إن البعض لا يشعر أن حبه قد مات ولا ينقصه سوى شهادة وفاة، لحفظ حق الورثة!

back to top