رغماً عن أنفه... عاد أنفها!
"بيبي عائشة" فتاة أفغانية لم يتجاوز عمرها 19 عاما، مأساتها هزت كل الضمائر الحية في العالم قبل شهور، حين ظهرت بأنفها المجدوع على صورة غلاف مجلة "تايم" الشهيرة، وفيها بدا وجه "بيبي" مخيفا ومرعبا تشمئز لمنظره العيون إلى درجة لا تصدق، حتى أن الكثيرين شكوا في صحة الصورة، وظنوا أن المجلة سعت لفبركة الصورة رغبة في زيادة مبيعاتها عبر المتاجرة بالمآسي والدموع!غير أن "التايم" أثبتت براءتها من التهمة حين عادت إلى وضع صورة "بيبي عائشة" على غلافها أخيرا، لتظهر ثانية أمام كل القلوب والضمائر التي تعاطفت معها واشمأزت لمنظرها المخيف، لكنها بدت هذه المرة جميلة وفاتنة كما كانت في أفغانستان قبل المأساة، فظهورها الجديد كان مع أنف جديد وجميل بعد أن تم "ترميمه" بالكامل!
والحكاية باختصار، بدأت العام الماضي مع هروب "بيبي" من أحد مقاتلي طالبان الذي تزوجها وهي في عمر الثانية عشرة، حيث أدمن على التنكيل بها وتعذيبها كلما خطر له خاطر وعلى أتفه الأسباب وبشكل انتقامي رهيب، فما كان منها إلا أن قررت في أحد الأيام الهروب من جحيمه إلى الأبد، غير أن محاولتها باءت بالفشل، حيث سعى وراءها حتى أمسك بها وأعادها ثانية إلى بيته حيث كانت تقيم كالجارية وتبيت معظم لياليها في حظيرة الحيوانات، وكان أن عرضت قضيتها على محكمة قبلية تابعة لطالبان، فحكم القضاة- لعنهم الله- بقطع أنفها وأذنيها عقابا لها على الهروب من بيت زوجها "الرائع"، وقد خولته هو وأسرته بتنفيذ العقوبة! وكان للمحكمة ما أرادت، فقاموا بجرها إلى تلة قريبة، حيث أمسك بها شقيق زوجها بقوة كي يمنعها من الانتفاض حين تنفيذ العقوبة، وليهيئ الوضع بشكل جيد للزوج كي يقوم بدوره على أكمل وجه، فأقبل عليها "العتل الزنيم" بسكين حاد أسرع به نحو أنفها وجدعه بالكامل دون أدنى شعور بالأسف، ثم لوى رأسها المضرج بالدم وهي تصرخ به وتسترحمه ليهوي بالسكين على أذنها ويقطعها كاملة، وليتحول بعد ذلك للأذن الثانية فيفعل بها ما فعل بالأولى، بعد ذلك، قاموا برميها في البرية وبجانبها الأنف والأذنان المقطوعتان، ليعود أفراد الأسرة إلى بيتهم... وكأن شيئا لم يكن!أما "بيبي عائشة" فتحملت آلامها وراحت تجر جسدها المضرج بالدماء حتى وصلت إلى بيت عمها تستصرخه أن يتوجه بها إلى أقرب مستشفى، فرفض العم "الحنون" ذلك وأقفل بابه في وجهها، بعد ذلك، راحت تجر نفسها من مكان لآخر تبحث عن المساعدة دون طائل، حتى عثرعليها عمال للإغاثة وهي دامية، فنقلوها بسرعة إلى ملجأ "جمعية من أجل نساء أفغانستان" في كابول وهي شبه فاقدة للنطق من هول ما أصابها، وقام الأطباء بعلاجها قدر المستطاع، ثم عرضت على أطباء نفسيين، لتتحسن بعض الشيء مع الوقت، حتى فكروا في نقلها إلى الولايات المتحدة كي تخضع لجراحة تجميل وترميم تعيد إليها أنفها وأذنيها، وكان ما تم، وأجريت لها عمليات تجميلية معقدة تم خلالها زرع قطع من أجزاء أخرى من جسمها مكان تلك المجدوعة من أنفها، فعادت جميلة كما كانت وأكثر... رغما عن أنف من جدع أنفها!وقد تبرعت أسرة أميركية- جزاها الله عنا خير الجزاء- باستضافتها طوال مدة علاجها، كما تبرعت مؤسسة "غروسمان بيرن" الخيرية "حقا وصدقا" بتكاليف 8 أشهر من الترميم والتجميل للأنف المشوه جدعا في أفغانستان، وقد ظهرت «بيبي عائشة» قبل أسبوعين على شاشات محطات تلفزيونية أميركية عديدة بهيئتها الجديدة، حيث التقطت صورا عدة مع "لاورا بوش" التي كتبت قبل ذلك بأسبوع مقالا مؤثرا عن حال النساء تحت ظل طالبان.مأساة "بيبي عائشة" واحدة من آلاف المآسي التي تجري على يد حكم "طالبان" الظلامي المتحجر المتخلف الذي لا يمت للإنسانية بصلة، وليس له علاقة بالزمن الحاضر، بل يعيش على الماضي ويقتات على خرافاته وعاداته وتقاليده المقيتة ليلبسها رداء الدين ويسيء إليه، ومع الأسف، بيننا الكثيرون ممن يحلمون بالعيش تحت ظل حكم كهذا، ويتمنون اليوم قبل الغد أن يصبح وطنهم طالبان أخرى، وصدقوني... أعدادهم أكثر مما تتصورون!