كنت اقتنصت فرصة الجمعة، اليوم قبل الأخير لمعرض الكويت للكتاب، أصدقاء لم تصافحك وجوههم منذ زمن، ضحكة تعلو من هنا، وعنوان كتاب يكاد يقفز من بين يدي من يمسك به.

Ad

يسألك أحدهم، ما حصيلتك اليوم من الكتب؟ جولة واحدة وتكتمل الدائرة، لم يكن المعرض ومنذ عدة سنوات خلت هدفاً مقصوداً لاقتناء الكتاب بقدر ما هو فرصة لاقتناص الأصدقاء الغائبين، وبعض الضيوف الوافدين إلى الكويت. وبين هذا وذاك لا تخلو المسألة من لوم وعتاب للقائمين على تنظيم المعرض الذي جاء في منتصف الشهر تماماً، بعد أن تفرغ الجيوب بفعل مستلزمات المنزل، والمواد الاستهلاكية وأقساط البنوك وما شابه.

لأمر ما قررت أن أقتني كتباً تتعلّق بالتراث الإفريقي ربما لشعوري بنقص حاد إزاء القراءة في هذا الجانب، أو لعلّه الثراء المعرفي الذي يقبع خلف موروثات هذه القارة الغنية بثرواتها المعدنية، وكذا حكاياتها الشعبية المخبوءة تحت الأرض.

من بعيد يجذبك وجه الفتاة السمراء، دقيقة الملامح بالغة الجمال الذي يغطي غلاف الكتاب، أمر عصي على المقاومة، إن لأغلفة الكتب، كما هي عناوينه فنوناً أخرى.

أبدع المؤلف روجر أبراهامز في كتابه «حكايات شعبية إفريقية» في نقل ما يقرب من مئة قصة إفريقية إلى اللغة الإنكليزية. الكتاب صادر عن المركز القومي للترجمة في مصر ونقله إلى العربية عزت عامر. وكان لافتاً في قصص الكتاب ذلك المشترك الثقافي الذي نجده بينها وبين الحكايات الشعبية في الأساطير الأخرى، في المشرق وأميركا اللاتينية على سبيل المثال، إذ تدور معظم القصص حول البطولات والحكايات الملحمية، وكذلك السحر، وما ينجم عنه من شرور أو أفعال خارقة. وترتبط هذه القصص مع التراث العربي من حيث ارتكازها على عالم الحيوان الأمر الذي نجده بجلاء في كتاب «كليلة ودمنة» المصنف أصلاً باللغة السنسكريتية والمنقول في ما بعد إلى الفارسية والعربية.

تأتي الحكمة على رأس قائمة المشترك الثقافي لدى الشعوب البدائية، ومن ثم الفروسية والملحمة الخارقة التي غالباً ما تأتي على لسان بطل واحد، تصبغ في ما بعد أفعاله على جميع أفراد قبيلته. وبالطبع لن ننسى قصص المغازلة وحكايات الغرام والأزواج. يحتل «المشعوذ» رأس القائمة في قصص إفريقيا السوداء. ويرى روجر أبراهامز أن له صفات وأفعالا متهورة تؤدي إلى الشر وينجم عنها القتل، «إنه دائماً كريه ومزعج، كائن يعيش في البرية لكنه يشن غارات منتظمة على المجتمع الإنساني، حاملاً معه الكلام غير الأخلاقي والتأثير المزعج».

انتقل هذا التراث الإفريقي بكل زخمه، وأساطيره، وحكمه وشخوصه الخارقة إلى القارة الأوربية مع الهجرات المتتابعة للعبيد إلى هناك أواسط القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ومن ثم إلى القارة الأميركية أوائل القرن السابع عشر. وتاريخ الاستعباد ونقل الأفارقة معروف في مصادره المتنوعة، إلا أن المؤرخين غالباً ما يتجاهلون تأثير هذه الأساطير والخرافات على الشعوب الجديدة التي يفد إليها الأفارقة، لذا فإننا نجد باحثين غربيين يتهمون كتاباً أميركيين بسرقة التراث الشعبي الإفريقي ونسبه إلى ذواتهم. ولاحظ باحثون ذلك التشابه بين التراث الشعبي الإفريقي جنوب الصحراء وغربها بتلك الحكايات المتوارثة لدى القبائل الزنوج في البرازيل وبقية بلدان أميركا اللاتينية.

يتحدث كتاب «حكايات شعبية إفريقية» في بعض صفحاته عن «ملحمة مويندو» التي تعود إلى شعب نيانجا. في الكونغو الديمقراطية. وحاولت جاهداً العثور على مصادر عربية لهذه الملحمة من دون جدوى. وتقود معظم أدوات البحث إلى «أبطال النينجا» الذين نشأوا في إحدى الجزر اليابانية قبل ألف ومئة عام. وفرق كبير بين الملحمتين، على الرغم من وجود روابط مشتركة بين معظم هذه الأساطير في أرجاء المعمورة يجعل عبء دراستها أمراً صعباً على باحثي الانثروبولوجيا المعاصرين، وكذلك النقاد الذي يقدمون دراسات في عصر «مابعد الكولونيالية».