حين تموت النزعة الإنسانية يخرج القابعون في كهوف مجاهل التاريخ، يخطبون من فوق ركام الجماجم، مستنكرين إرسال الممرضات والممرضين إلى البحرين بدلاً من إرسال الجيش! بينما يؤيد الفريق الآخر «فخامة الرئيس المقاوم بشار الأسد» ويؤيد «كافة الإجراءات التي يتخذها النظام تجاه المخربين والعابثين»! (لاحظ كافة).

Ad

كشفت لنا تلك الأحداث عن الشيزوفرينية التي يعانيها كل من الطرفين، وعرت لنا تصريحاتهم ومقلديهم المثيرة للغثيان قبحَ طائفيتهم وموت الإنسان فيهم، في صمت التطرف السني عما يحدث من انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان في البحرين، وسكوت التطرف الشيعي عن مجازر النظام السوري. هي ذات اللغة وذات العصبية الضيقة وذات التجييش الطائفي... وأهم من يعتقدان أنهما (التطرفان السني والشيعي) يسعيان إلى حرية الأوطان وكرامة الإنسان أو يؤيدان مطالب شعبية مشروعة، فطرف يصمت صمت الأموات عن القمع الوحشي للشعبين الإيراني والسوري من قبل نظاميهما، وطرف آخر يحترف صناعة الانتهاكات المرعبة لحقوق الإنسان في الخليج البائس.

فالطرفان يتشابهان في البنية الفكرية والممارسات القمعية والتستر على الجرائم، ويستخدمان نفس الأسلحة الفتاكة التي تغذي تطرف الآخر، ونفس التحليلات الإعلامية والتبريرات التي تستبيح الدماء: «مؤامرة خارجية تُحاك ضدنا»، «فتنة طائفية». من يُقتل هنا فـ»هو شهيد» وهناك فـ»هو عميل خائن»... هناك «هي مطالب مشروعة» وهنا «أعمال تخريبية»... المتطرف السني يتضامن مع النظام ضد الشعب لأنه نظام سني، والمتطرف الشيعي يدعم النظام ضد الشعب لأنه نظام شيعي... أي بؤس يعتري إنساننا المسحوق؟!

نتحدث من بيوتنا الآمنة وسط أطفالنا المطمئنين... نحلل ونجلجل ونفسر ونولول ونطبل ونزمر، كلٌّ يشجع فريقه... ليطغى صراخنا الهستيري على صوت نحيب الأم الثكلى واستغاثة الأب المكلوم وبكاء اليتيم المحروم... ونظل نردد ببغائية شعارات متهالكة صدئة، ونقلد بطفولية لأننا أمة فقدت عقلها وهاجر إنسانها لتسكنها الوحوش المفترسة... فلا يهم ما تضمنه تقرير منظمة العفو الدولية عن حقوق الإنسان في البحرين، ولا يعنينا ما جاء في تقرير نائب رئيس مركز الأطباء المدافعين عن حقوق الإنسان ريتشارد سولوم الذي قال: «خلال أبحاثي في حقوق الإنسان على مدى عقدين من الزمن في أكثر من 20 بلداً لم أشاهد أبداً انتهاكاً شاملاً وممنهجاً للحياد الطبي كما يجري في البحرين»، لا تهمنا تلك الحقيقة لأننا طائفيون حتى النخاع. كما لا يكترث بعضنا الآخر لحادثة اعتقال الأمن السوري خمسة عشر طفلاً في درعا وتعريضهم للتعذيب وقلع الأظافر، ولا تهزنا حملات التطهير والتعذيب والتنكيل، لا يهم كل هذا لأننا طائفيون حتى الثمالة. ما يهم كما يعبر نوابنا المتطرفون وتابعوهم من نشطاء التويتر والفيس بوك هو أن يبقى نظام «المقاومة والتصدي والصمود» ولو داس فوق ركام الجماجم وحطام العظام في سبيل تلك المقاومة التي لا وجود لها إلا في خيالهم الواهم. وهذا ما تؤكده بعض الصحف الصهيونية، حسب تقرير موقع إيلاف، الذي أشار إلى «مخاوف إسرائيلية من أن إسرائيل تعيش في معضلة شديدة بين رغبتها في سقوط الرئيس الأسد من جهة... واستفادتها من كون الأسد حرص على مدى السنين أن تكون هضبة الجولان هادئة من دون إطلاق رصاصة واحدة من جهة أخرى».

يا سادة ويا وعاظ ويا «ظل الله في الأرض» كما تدّعون زوراً وجوراً وبهتاناً، لقد أسأتم لشعوبنا المطحونة شر إساءة، فحولتم مطالب الحرية والكرامة الإنسانية إلى حروب طائفية نتنة عفنة... يا مفسدي الأرض... لقد قتلتم الإنسان فيناً.

عظَّم الله أجركم