الحريري يناور أو يلتحق بتموضع جنبلاط؟
ترحيب «8 آذار» لم يكن بحجم صدمة «14 آذار»
لم يصح فريق 14 آذار من "الصدمة" التي أحدثها كلام رئيس الحكومة سعد الحريري الى جريدة "الشرق الأوسط السعودية" عن "ارتكاب أخطاء في التسرع باتهام سورية" باغتيال والده الرئيس الراحل رفيق الحريري، وعن أن "شهود الزور ضلّلوا التحقيق وألحقوا الأذى بسورية ولبنان وسيّسوا الاغتيال".ويبدو أن وقتا غير قصير سيمر قبل أن يتمكن "جمهور قوى 14 آذار"، وقبل أن تتمكن معظم قياداتها من "هضم" هذا التحول السياسي، بدليل أن الرأي العام الموالي للحريري وحلفائه استمر حتى ساعات مساء يوم نشر التصريح ينتظر "توضيحا" أو "تصحيحا" أو "تصويبا" للتصريح الذي تناقلته وسائل الإعلام المحلية، في وقت كان الفريق السياسي والإعلامي المحسوب على 14 آذار "غائبا عن السمع"، فلا نواب يجيبون على الاتصالات الهاتفية، ولا مسؤولون حزبيون وتنظيميون يملكون جوابا عن استفسارات الإعلاميين والناس.
ومن نجح من الإعلاميين في التحدث الى "صديق" كان يسمع عبارة مقتضبة: "المقابلة واضحة، وكلامها لا يحتمل أي تفسير أو تحليل". وفي ظل هذه الأجواء انكب المراقبون على التحليل، فكان رأيان:1- الأول يتحدث عن مناورة "سياسية وإعلامية" هدفها كسب الوقت وتنفيس الاحتقان في انتظار ما يمكن أن يصدر عن المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال بيلمار.2- الثاني يتحدث عن منعطف أساسي وتحول جذري في المواقف فرضه الاتفاق السعودي - السوري الذي كثر الحديث عنه في الأشهر القليلة الماضية.وقد انقسم أصحاب الرأي الأول بدورهم الى فريقين: الأول لا يريد أن يصدق أن رئيس الحكومة سعد الحريري في صدد تحول جذري من شأنه أن يقلب صفحة اساسية من تاريخ لبنان، ويعيد خلط أوراق التحالفات والتموضعات. والثاني يتخوف من صفقة معينة بين سورية والمملكة العربية السعودية تقضي بفك التحالف السوري - الإيراني بما يترجم على مستوى الشرق الأوسط بدعم سوري تدريجي لمفاوضات السلام المباشرة وغير المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، ومن ثم بين إسرائيل وكل من سورية ولبنان، وعلى المستوى اللبناني بتحجيم دور حزب الله وتأثيراته في اللعبتين الإقليمية والداخلية.أما أصحاب الرأي الثاني فيعتبرون أن ما صدر عن رئيس الحكومة سعد الحريري لم يكن "زلة لسان"، ولا هو يحتمل إدراجه في خانة المناورات السياسية والإعلامية لأن ذيوله وانعكاساته لا بد أن تظهر في وقت قريب على الساحة السياسية اللبنانية. فمثل هذا الكلام سوف يكون في حاجة الى ترجمة عملية على المستويين الرسمي والحزبي. وترجمته سوف تعني حكما أن ما بعد هذا الكلام لن يكون كما قبله لا من حيث التعاطي مع الملفات المطروحة. وبالتالي فإن الساحة اللبنانية سوف تكون مرشحة لتطورات جذرية تتجه بالوضع أكثر فأكثر في اتجاه التموضع الذي سعى اليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط إثر إعلانه الخروج من قوى "14 آذار" في 2 أغسطس 2009. ويرى هؤلاء أنه إذا كانت حوادث 7 مايو 2008 عندما احتل حزب الله بيروت قد دفعت جنبلاط الى اتخاذ قرار التحول السياسي، فإن تهديدات حزب الله بـ7 مايو جديد، ومواجهات برج أبي حيدر الأخيرة فعلت في رئيس الحكومة سعد الحريري الفعل ذاته.في المقابل، فإن جبهة مسيحيي 14 آذار تبدو بدورها تحت تأثير الصدمة، من دون أن تتضح بعد "المخارج" التي ستعتمدها للتعاطي مع الواقع الجديد. وما تسرب عن موقف الفريق المسيحي همس يركز على بعض النقاط التي تبحث عن إطار لترجمتها:1- تمسك بالشراكة المسيحية - الإسلامية، ورفض مبدئي لفك التحالف مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وسعي لما يمكن أن تحمله اتصالات الساعات والايام القليلة المقبلة من معطيات يبنى على الشيء مقتضاه.2- تأكيد الموقف القائل إن الاتهام السياسي والتبرئة السياسية يصدران عن السياسيين وفقا لمعطيات سياسية، في حين أن الاتهام الجنائي والتبرئة الجنائية يصدران عن المحكمة الدولية التي لم تصل "التنازلات" الى حدود الخط الأحمر بالتخلي عنها.غير أن جبهة قوى 8 آذار التي لم يأت موقفها من كلام الحريري مرحبا بحجم ومستوى صدمة قوى 14 آذار، فيعتبر القريبون منها أن المسار الانحداري الذي فرضته موازين القوى الداخلية والإقليمية المستجدة على قوى 14 آذار بفعل التراجع الأميركي في المنطقة، سوف يستمر وصولا الى إلغاء المحكمة الدولية على الأقل من قاموس القرار السياسي الرسمي اللبناني، وأن أقصى ما يمكن لفريق 14 آذار الرهان عليه هو العودة بالأمور الى ما قبل عام 2005.