ما جرى منذ أيام حول مسألة «جنسية» ياسر الحبيب والحديث عن سحبها، هو في الحقيقة مسرحية ساذجة ومدهشة! ستقولون كيف؟ وكيف؟!

Ad

فأما الكيف الأولى، سؤال عن الشق المرتبط بالسذاجة، فإجابتها أن ما جرى بثه، وبالرغم من كل البهرج الإعلامي الرخيص الذي أحيط به، وكل بهارات التشويق التي حقنت فيه حقنا بشكل مبتذل واضح، فإنه لم يأت بجديد على الإطلاق، بل استند إلى تسجيلات قديمة متهالكة، جرى تجاهلها طوال السنوات الماضية، ربما إدراكا من أصحابها لهزال قيمتها، وجرى سحبها الآن ونفض الغبار عنها بهدف سياسي، بعيد كل البعد عن المرامي الوطنية والدينية المزعومة.

وأما الكيف الثانية، سؤال عن الشق المرتبط بالإدهاش، فإجابتها أنه وبالرغم من كل هذا التهالك الواضح والركاكة المغرقة فيما جرى بثه، فإن الأمر، ويا للدهشة، قد تم تمريره وتسويقه على الناس، وإقناعهم، وربما إقناع النفس أيضا، بأنه قد تحقق فعلا سبق إعلامي وسياسي من ورائه!

لكنني سأرمي هذه القشور كلها في المكب، وأقول إن ما جاء على لسان ياسر الحبيب في اللقاء، هذا إن نحن نظرنا إليه من زاوية قانونية بحتة، غير كاف على الإطلاق لإدانته وسحب جنسيته، فالعبارة الوحيدة المرتبطة بالأمر مما ورد على لسانه هي قوله: «لقد خرجت من العراق بطريقة شبه رسمية بجواز عراقي» أو نحوها، وهي عبارة حمالة أوجه، يمكن تفسيرها بأكثر من طريقة، ولا يمكن الاستناد إليها لاتخاذ قرار سريع وحاسم لسحب جنسية الرجل، كما أشيع بأنه حصل مساء تلك الليلة في اجتماع حكومي طارئ بناء على ما بثته خدمة الرسائل الهاتفية المرتبطة بذات القناة التي بثت اللقاء، وجل ما يمكن أن تفسحه هذه العبارة هو المجال لفتح باب التحقيق الأمني لمعرفة مدلولاتها الحقيقية.

منح الجنسية وسحبها عن أي كويتي، وكما نسمعهم يرددون دائما، على «الفاضي والمليان»، هو قرار سيادي، لذلك فالسلطة لم تكن بحاجة إلى كل هذه المسرحية الهزيلة لتتخذ قرارها بسحب جنسية الحبيب، وكان بإمكانها، لو هي أرادت ذلك حقا، أن تفعلها من اللحظة الأولى بجرة قلم ومن نوع رخيص، لكنها لم تفعل، وشخصيا أتشكك بأنها قد فعلتها أو ستفعلها حقا.

إشاعة سحب جنسية الحبيب، صدق الأمر أو لم يصدق، ما هي إلا حركة بهلوانية أوجدت لإيجاد مخرج سياسي لعدة أطراف، أولهم الحكومة، وذلك لتقليل الضغط الشعبي عليها، فهي الآن ستقول وبكل براءة، لقد سحبت جنسيته، فماذا تريدون بعد؟ وبذلك ستتخلص أيضا من فضيحة خروجه من السجن وهروبه من يدها بذاك الشكل الغريب المريب، وكذلك لإيجاد مخرج سياسي لبعض النواب، ومنهم النائب حسين القلاف الذي ملأ الدنيا ضجيجا، وأقسم بأنه سيستجوب رئيس الحكومة، وهو بالمناسبة لم يكن ليفعل ذلك مطلقا، إن هي لم تسحب جنسية الشيخ عثمان الخميس في حال سحبت جنسية ياسر الحبيب، فهو الآن يستطيع التنصل أمام ناخبيه من هذا القسم بحجة أن سحب جنسية الحبيب أتى لمخالفة قانونية واضحة اعترف بها بنفسه، لا علاقة لها بالمشكلة الطائفية التي كانت مثارة.

سحب جنسية الحبيب، وهو الأمر الذي سر له كثير من الناس بسطاء التفكير، هو خطأ كبير، على الأقل في هذه المرحلة، أولا لأنه لا يستند إلى سند قانوني واضح حقا، وثانيا، وهو الأهم، لأن الرجل سيكون هكذا قد خرج عن مدى القدرة القانونية الكويتية لمحاسبته على جرائمه. ياسر الحبيب كان في حكم الهارب من العدالة الكويتية، باعتباره قد خرج من السجن بخطأ إداري، لا بعفو حقيقي كما تزعم الحكومة، ولأنه استطاع الفرار من المنافذ الحدودية بالرغم من التعميم بمنع سفره كما تزعم الحكومة، ولأنه لايزال حتى اللحظة على ذمة قضيته الأصلية التي كان يقضي حكما بالسجن على أساسها كما يعتقد سائر الناس، وبالتالي فمن حق الكويت أن تطالب به عبر البوليس الدولي، وتسترجعه لتحاسبه وتعاقبه، سواء على تلك الجريمة، أو على كل جرائمه اللاحقة، ومنها تطاوله المتكرر بسب الصحابة والتهجم على أم المؤمنين رضوان الله عليهم جميعا، لو أرادت السلطة ذلك حقا، لكنها لا تريد.

هذا اللقاء التلفزيوني المصطنع، وهذه المسرحية الساذجة برمتها، تثبت ما قلته في مقالي الماضي، بأن المسألة بأسرها لا تخلو من فبركات سياسية، إن لم تكن هي بالكامل، لفائدة أطراف محددة، خصوصا بتكرارها المقيت الذي صار يثير الغثيان.