لو استطعنا أن نلتق في النقطة ذاتها لا اختلفت حياتنا وتغيرت مساراتها بشكل قد يقودنا إلى سعادة أكبر، وقد يكون الأمر عكس ذلك، لأنه يصعب الحكم على أمور تقع في علم الغيب، ولم تخضع للتجربة الحياتية.

Ad

ولأننا نجهل طبيعتنا وأهواءنا وماهية المفاصل والنقاط التي تلتقي فيها تجربتنا في الحياة مع تجربة الآخر فيها، مما يفقدها النجاح في العلاقة أو يقود إلى فشلها، وهو الأمر الذي شرحته لصديقتي التي حكت لي عن واقعتين أثرتا على حياتها، الأولى تخص ابنتها والثانية تتعلق بزوجها.

الحكاية الأولى حين قالت البنت لأمها أنها تذكرت حنانها يوم سافرت للدراسة في الخارج، ووقتها اشترت لها زجاجة عطر كانت ترغب فيها بشدة لأنها موضة الساعة في حينها، وما كان من عادة الأم التسوق من الطائرة وهذا مما اسعد البنت المراهقة وجعلها تتذكر هذه الحادثة برومانسية.

قالت لها الأم لقد تذكرت هذه الهدية الصغيرة وما تذكرت كل ما فعلته لأجلك من تأثيث شقة بكل مفروشاتها وشراء سيارة وتعب كبير ومجهود لا يحتمل لتعيشي في الغربة بكل راحة وأمان، وما تذكرت إلا زجاجة العطر المشتراة من الطائرة؟

لو كنت أعلم أن هذه القارورة هي التي تمثل لك السعادة والإحساس بأمك لاشتريت لك كل العطور وكل ماركات النظارات والأحذية والحقائب، ولأبقيتك في سكن الطلبة أو في شقة على البلاط وتركتك تتخبطين فيها وفي كيفية إعدادها وترتيبها، لتدركي أهمية ما فعلته لأجلك مقارنا بزجاجة عطر.

أما الحكاية الثانية فهي تتعلق بحياتها مع زوجها المتملك والمتطلب كثيرا، فتقول إنها عملت له كل ما يسعد الرجل، من ترتيب كل الأمور الحياتية التي تخصه بشكل مباشر أو تلك التي تخص حياتهم في البيت وأطفالهم، يعني أنها تولت مسؤولية كل ما يخص حياتهم، مما جعل الحياة تدور على أكمل ما يكون، فكل ما يحيط به وبأولاده أصبح في غاية الكمال والترتيب والجمال، وكله على حساب طاقتها وصحتها وحياتها الشخصية التي دارت لهم ولسعادتهم ولراحتهم.

لكن الزوج لم يشعر ولم ير في هذه الخدمات حبا له، ولم يحس بدقات قلب هذه الآلة المحبة التي تدور من أجلهم ومن أجل راحتهم وسعادتهم، ورأى أن الحب هو في تدليل و»تدليع» الزوج وفي» صفصفة» الكلام المعسول الغاطس في الشكل السطحي لمعنى الحب، ولم ينتبه الى الشكل الآخر له وهو العطاء الصامت المانح في تضحية، وهو العطاء الحقيقي للمحب الذائب في فناء راحة وسعادة المحبوب من دون ثرثرة الكلام، ورغوة المعسول منه الذي لا يدفع ولا يسير عجلة الحياة إلى الأمام.

لو أن صديقتي هذه قد التقت في ذات النقطة التي يريدها ويتمناها زوجها وابنتها، ربما تغيرت مسارات الحياة فيما بينهم، وربما كانت أحسن أو أتعس...لا أحد يعلم بالنتائج.

حين تلتقي حاجات الناس ورغباتهم، وتتوافق بعضها مع بعض قد تؤدي إلى انتفاء كل الخلافات وكل المشاكل الناتجة عن عدم فهمهم لرغبات بعضهم لبعض، ومن عدم التقائهم عند تلك النقطة التي توحد الأحلام والتطلعات واللهفة الشديدة في الانصهار والتمازج في ذات الشيء المطلوب من الطرفين، والذي تلتقي فيه بالصدفة المحضة أحاسيس وحاجات كل منهما لتصب في مجرى واحد يمثل اتحادهما.

هذا الاختلاف الذي قد يتلاشى ويذوب، وتتغير كل مسارات الحياة وتفاصيلها لتسير في دروب قد تحمل مزيدا من الفهم والسعادة وإدراك حاجات ورغبات بعضنا لبعض حين ندرك تلك النقطة التي تقول: «لو بس التقينا عندها».