ارتفاع تكاليف المعيشة والتنمية المزعومة
يعتبر تصريح وزير المالية الأسبوع المنصرم الذي أعلن فيه أن الحكومة ستدفع رواتب شهر أغسطس قبل بداية شهر رمضان كما أنها ستدفع رواتب شهر سبتمبر قبل عيد الفطر، بمنزلة اعتراف رسمي حكومي بأن الرواتب الشهرية لا تكفي للوفاء بالالتزامات المعيشية العادية لغالبية السكان، والعجيب أن الحكومة لا تحرك ساكناً في سبيل حل مشكلة الارتفاع المتزايد للأسعار.
هناك ارتفاع غير طبيعي في الآونة الأخيرة في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية ومواد البناء والأدوية، وفي الخدمات التعليمية والصحية الخاصة، وفي تكلفة السكن الخاص نتيجة لعوامل عديدة من ضمنها التضخم وانخفاض القوة الشرائية للدينار وعملية الاحتكار. ومن الملاحظ أيضاً أن التضخم في ازدياد، كما أن هناك احتكاراً للأراضي ولسوق الأدوية والعقاقير الطبية ولبعض مواد البناء والمواد الغذائية والاستهلاكية عن طريق الوكالات الحصرية، مما أدى إلى زيادة معاناة أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة من الارتفاع المستمر لتكاليف المعيشة، وهم الذين يمثلون أغلبية سكان الكويت سواء من المواطنين أو الوافدين.والعجيب والغريب في آنٍ أن الحكومة إذ تعترف وتقر بذلك حسبما أوضح تصريح وزير المالية الأسبوع المنصرم الذي أعلن فيه أن الحكومة ستدفع رواتب شهر أغسطس قبل بداية شهر رمضان، كما أنها ستدفع رواتب شهر سبتمبر قبل عيد الفطر، وهو ما يعتبر بمنزلة اعتراف رسمي حكومي بأن الرواتب الشهرية لا تكفي للوفاء بالالتزامات المعيشية العادية لأغلبية السكان، إلا أنها، أي الحكومة، لا تحرك ساكناً في سبيل حل هذه المشكلة المتفاقمة إذ امتنعت، كما تناقلت وسائل الإعلام، ثلاث مرات متتالية عن حضور اجتماعات اللجنة المالية في مجلس الأمة التي كانت مخصصة لبحث قضية ارتفاع الأسعار!
مما لا شك فيه أن قضية ارتفاع الأسعار مسألة معقدة تتداخل فيها عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية داخلية وخارجية عديدة ومتشابكة، خصوصاً أننا نستورد أغلب، إن لم يكن كل، موادنا الغذائية والاستهلاكية من الأسواق الخارجية، وهو ما يجعل سوقنا عرضة للتقلبات العديدة وللمشاكل الكثيرة التي تعانيها الأسواق الخارجية، مثل التضخم الذي ينعكس بدوره على أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية التي نستوردها من الخارج ليضاف إلى مشكلة التضخم المحلي، بيد أن للحكومة دوراً أساسياً يجب أن تلعبه في هذا الجانب، وهو رسم وتنفيذ السياسات العامة الكفيلة بالحد من التضخم، وبمكافحة مشكلة ارتفاع الأسعار، وبزيادة الوعي الاستهلاكي لدى المستهلك وحمايته من الغش التجاري ومنع عملية الاحتكار وتشجيع المنافسة تنفيذاً للمرسوم بقانون رقم (10) لسنة 1979 وللقانون رقم (20) لسنة 1976، واللذين يبدو أنهما لم يُطبقا التطبيق الصحيح، والدليل على ذلك هو الارتفاع المبالغ فيه والمستمر في أسعار بعض السلع والخدمات بشكل ليس له مثيل حتى في الدول الخليجية المجاورة. وإذ إنه من المعروف أن خطط التنمية المستدامة تستهدف في الأساس رفع مستوى معيشة الإنسان وتحسينه وليس العكس، فإنه من المفترض أن مستوى المعيشة لدينا قد تحسّن منذ بداية تنفيذ "خطة التنمية"، أي خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط بنسبة 25 في المئة، وهي نسبة تنفيذ "خطة التنمية" حتى الآن، كما صرح بذلك نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الدولة لشؤون التنمية وزير الدولة للإسكان الشيخ أحمد الفهد، وهو الأمر الذي لم نلمسه على أرض الواقع حتى الساعة والدليل على ذلك استمرار سوء الخدمات العامة ورداءتها، وارتفاع الأسعار، وزيادة التضخم، وارتفاع معدلات البطالة، وازدياد نسبة الجريمة، وارتفاع تكلفة السكن الخاص.من زاوية أخرى، وإذ إن الشيء بالشيء يُذكَر، فإننا حقيقة لا نعرف ما هي المعايير أو الأسس التي تم بناءً عليها قياس هذه النسبة (25 في المئة)، إذ إن ذلك يعني أن الحكومة، فيما لو استمر "إنجازها" للخطة "الرباعية" على هذا المعدل، فإنها ستنجزها كاملة خلال سنة واحدة فقط بدلاً من أربع سنوات كما ينص قانون 9/ 2010، وهذا ما يعتبر، فيما لو تم، إنجازاً بشرياً تاريخياً في تنفيذ خطط التنمية يجب أن نفتخر به ونبرزه في المحافل الدولية، لأنه إنجاز غير مسبوق على مستوى العالم كله!أما إذا كانت الحكومة تقصد نسبة توقيع عقود ومناقصات المشاريع الإنشائية الضخمة ذات التكاليف المليارية التي ورد ذكرها في "الخطة"، ويبدو أنها هدف خطة التنمية المزعومة، فإن ذلك شأن آخر لا علاقة له البتة بعملية التنمية المستدامة التي تعرفها شعوب العالم المتقدم وتنفذها حكوماته.