من يوقف هذا الجنون؟!

نشر في 24-04-2011
آخر تحديث 24-04-2011 | 00:00
 د. ساجد العبدلي مشهدنا السياسي مختطف، يا سادتي، لحركة هائجة غوغائية تراوح في مكانها منذ مدة ليست بالقصيرة بلا ثمرة، وهي حركة تستفيد منها أطراف متعددة على حساب الأطراف الأخرى، برضا وإدراك من بعضها، وبجهل من بعضها المسكين الآخر، ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى من يتحرك فيوقف هذه العجلة المحمومة المجنونة.

 بإمكان الناظر إلى مشهدنا السياسي، وبقليل من المتابعة دون جهد يذكر، أن يدرك بجلاء أن واحدة من أهم المعوقات لحركة هذا المشهد إلى الأمام، هي أن أغلب المشتغلين فيه، سواء من الحكومة أو المجلس أو النشطاء، إن لم يكن كلهم، غرقى حتى آذانهم في الصراعات الجانبية، وواقعون طوال الوقت في فخ تداول الجزئيات في تفاصيل هوامش التفاصيل، وذلك على حساب النظر إلى الصورة الكلية والاهتمام بحركة المشهد العام، وإدراك إلى أين هو سائر!

من السهل جدا في واقعنا السياسي اليوم، اختطاف الجميع، حكومة ومجلسا وجماعات وأفرادا، نحو أي قضية تثيرها أي قناة أو صحيفة أو حتى موقع إلكتروني، خصوصا إن كانت هذه القضية معجونة بالصبغة الطائفية. ينخطف الجميع بسهولة، وكأنهم يساقون سوقا نحو التصريح والمشاركة فيما يجري، وأحيانا حتى الانخراط في تجمعات وتظاهرات، لطالما كانت لا تسفر إلا عن مزيد من التأجيج والاحتقان، ولا ينتج عنها ثمرة ملموسة يمكن أن نقول إنها كانت ذات فائدة!

هذا الانشغال المستمر طوال الوقت من الجميع العائمين في هذا الخضم المتلاطم دون فائدة، يجعلني أشك إلى حد كبير بكون الأمر يأتي هكذا عرضا، بل بالعكس أكاد أجزم أن إشغال الساحة بهذه المهاترات والتهييجات التي لا تكاد تتوقف، أمر مرسوم بدرجة كبيرة من الدقة، ليس بالضرورة من طرف واحد، بل من أطراف متعددة، قد لا تكون في صف بعضها بعضا، بل ربما أطراف مختلفة قد أدركت جميعها وجود هذه القابلية العالية للاستثارة في الساحة السياسية، فصار كل واحد منها يمارس التهييج والإشعال، كلما أراد تمرير أمر ما، وصرف نظر الشارع بأسره في الناحية الأخرى، ويكفيه لذلك اختلاق قضية ما، ورمي طعمها في وسائل الإعلام، وهي التي لن تتوانى بدورها أبدا عن تلقفه، ولا أكاد أستثني منها أحدا، ونضيف إلى هذا سرعة التأجيج والإشعال والوصول التي صارت متاحة عبر وسائل التواصل الحديثة التي تجاوزت وسائل الإعلام التقليدية.

والمعارضة، هذا إن جاز أن نستخدم هذا المصطلح أصلا عندنا، أقول إن ما يسمى بالمعارضة حين قامت بتسمية الحكومة بحكومة الفساد، كأنها بهذا أراحت نفسها من الشرح والتبيان والمواجهة الموضوعية، لأن لسان حالها يقول وببساطة، كل ما يأتي من حكومة الفساد فاسد، ولا داعي لمزيد من الكلام، ومنذ أن صار هذا هو النهج المعارض، ما عدنا نرى حديثا أو نقاشا أو تفنيدا موضوعيا عميقا للقضايا الرئيسة المرتبطة بالتنمية والإصلاح كل على حدة، إنما هو في الغالب كلام شعاراتي يصلح لمانشيتات الجرائد أو لرسائل الهواتف النقالة، وصارت هذه المعارضة تقضي وقتها بتوجيه اللكمات والصفعات إلى حكومة الفساد، وهي التي ما عادت تأبه بطبيعة الحال، حول هذه العناوين العامة دون توضيح للمضامين! مشهدنا السياسي مختطف، يا سادتي، لحركة هائجة غوغائية تراوح في مكانها منذ مدة ليست بالقصيرة بلا ثمرة، وهي حركة تستفيد منها أطراف متعددة على حساب الأطراف الأخرى، برضا وإدراك من بعضها، وبجهل من بعضها المسكين الآخر، ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى من يتحرك فيوقف هذه العجلة المحمومة المجنونة الدوارة.

وأعترف بأنه لا توجد عصا سحرية يمكن لها بضربة واحدة أن توقف هذا الدوران المجنون، ولكنني أومن بأن هناك الكثير من الخطوات التي يمكن القيام بها من مختلف الأطراف، الصادقة إن هي رغبت، حتى تصل، ولو ببطء إلى إبطاء هذه العجلة ومن ثم إيقافها.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top