عالم اليوم ليس هو عالم الأمس، نلمس ذلك من أبسط الأمور إلى أكثرها تعقيداً، ومع ثورة المعلومات التي نشهدها، وكما تمرّ رياح التغيير على العالم العربي مثلاً، رأينا رياح التغيير تمرّ على العالم الطبي بالسرعة نفسها، فأصبح المريض أكثر ثقافة ووعياً، ينشد المعلومة الصحيحة ثم يجري بحثه الخاص عنها ليتأكد من صوابيتها أولاً ومن أن طبيبه مؤهل لأدائها، ثم ليتأكد من عدم توافر حلّ أسهل، فيا لكثرة ما أُسأل: «دكتور أسامة إنتو تستعملون أحدث أجهزة الليزر مو صحيح؟ د. أسامة شرايك في عمليات تذويب الشحم من دون جراحة وشرايك في الإبر اللي تشدّ الجلد واللي تشيل السليولايت...؟».

Ad

الشاهد من حديثي أن الثورة المعلوماتية كانت غالبيتها خيراً ثقفت المرضى، لكن كما توجد مصادر مسؤولة ذات أمانة علمية ونزاهة مهنية، ثمة مصادر أخرى أقلّ ما توصَف بأنها تستغلّ طيبة الناس وبساطتهم وتمنحهم أملاً غير موجود، فليس كل ما يبرق ذهباً.

من  واجب أهل العلم حماية المجتمع عبر منع المستغلّين ومن خلال تأمين مصادر موثوقة، حلمي أن تكون مدوّنتي الطبية نواة لموسوعة طبية هدفها حماية المريض، يكتب فيها الناس بأسمائهم الحقيقية، تفرّق بين الغث والسمين.

سآخذ جراحات تجميل البطن كأول محاولة لي في توفير المعلومة.

ترجع جراحة إزالة الجلد المرتخي في جدار البطن إلى القرن التاسع عشر وكانت تتمّ للتخلّص من الالتهابات الناشئة عن التصاق الجلد المترهّل ببعضه وتسببه بتقرّحات ثم جرثمة هذه التقرّحات لدى المرضى الذين يعانون من السمنة.

 في عام 1890، وصف الدكتور ديمار كيف كانت تتمّ الجراحة  ببتر الجلد والشحم كقطعة واحدة من دون الحفاظ على السرّة، كذلك بيّن خطورة هذه الجراحة لارتفاع نسبة التهاب الجرح الجديد، آنذاك لم تكن الجراحة تجميلية، أما بالنسبة إلى المرأة التي لا تعاني من السمنة وكان لديها ترهّل في الجلد فحسب، فكانت تلجأ إلى الكورسيهات بأنواعها لإخفاء البطن واكتساب الخصر المناسب، كان ذلك كافياً ولم نرَ إقبالاً على جراحة  شد البطن مع أن أول وصف لها مع الحفاظ على السرّة تم على يد الدكتور جوديت عام 1905.

مع تطوّر علم التخدير والتعقيم واختراع المضادات الحيوية في السبعينيات من القرن الماضي وظهور ملابس السباحة ذات القطعتين، تضاعفت الرغبة في الخضوع لجراحة شدّ البطن، هكذا بدأت هذه الأخيرة كما نعرفها اليوم.

في البداية كان التركيز على موضع الندبة النهائية مع دكتور رينو الذي وصف ندبة تشبه حرف دبليو الإنكليزي حيث يكون وسط الجرح فوق العانة مرتفعاً في حين يسير باقي الجرح في منطقة الحز بين البطن والفخذ كطريقة لإخفائه. تقبّل المرضى هذه الندبة خصوصاً أن تصميم لباس السباحة للمرأة في تلك الفترة كان مرتفعاً بعض الشيء.

في منتصف السبعينيات أصبح المايوه أقل ارتفاعاً في منطقة أسفل البطن، فأنزلت الندبة إلى أسفل أكثر لإخفائها وأصبحت على شكل ابتسامة مرتفعة بعض الشيء على الجانبين، تتبع الخط العلوي للباس السباحة آنذاك، وأطلق الدكتور جريزر إسم جرح البكيني على هذه الجراحة. في آخر السبعينيات ظهر مايوه سان تروبيز ذو الحد الأفقي من أعلى والمنخفض جداً ليتبعه جرح العملية الجراحية ليصبح أفقياً ومنخفضاً جداً.

اليوم، في رأيي، ينبغي للمريضة أن تجلس مع الطبيب لتقرر ما إذا كانت تفضل جرح البكيني أو جرح سان تروبيز شكلاً، أما بالنسبة إلى جرح الدبليو، فأعتقد أن استعماله قلّ جداً إلا عند الجراحين القدماء ومع المرضى الرجال لوجود شعر العانة الكثيف كغطاء للجرح.

موقع الجرح وشكله هما القرار الأول للمريض، أما القرار الثاني فهو الكمية الواجب التخلّص منها من الجلد الزائد، وهنا أقول إن ذلك يتباين من مريض إلى آخر، لكن عموماً يزال معظم الجلد من فوق السرّة بقليل فما دون، وهذا أمر يجب أن يحدّده الجراح للمريضة لتجنُّب اللبس في الفهم بين الإثنين.

مع ازدياد الإقبال على جراحة شد البطن، عانى كثير من المرضى من حدوث تضخّم في أعلى البطن بعد الجراحة أشبه بوجود كرش صغيرة فوق السرة، لذلك أضيف إلى الجراحة شد للعضلات المترهّلة في أعلى البطن منعاً لبروزها مع زيادة شدّ الجلد، وبات  ثمة تفنّن في تشكيل السرّة وإرجاعها إلى موقعها المثالي وبندب مخفية، فأصبح واضحاً أن السرّة أجمل إذا كانت طولية وليس عرضية.

الثورة الحقيقية في جراحة شدّ البطن جاءت بها المفاهيم الجديدة لجمال المرأة، وهي تتعلق بالدراسات الحديثة لمقاييس الجسم وتناسب البطن مع باقي أعضاء الجسم، وأصبح هاماً تناسق جانبي البطن والظهر مع مقدّمة البطن والفخذين، كذلك أصبح هاماً تناسق الصدر مع البطن.

 لا أجري جراحة شدّ البطن اليوم من دون نحت الظهر وجانبي البطن ليكون الشكل متناسقاً باستخدام وسائل الشفط، لكننا لا نستعمل الشفط للتخلّص من السمنة بل لنحت الخصر لنوافقه مع شكل الجسم العام.

على رغم ظهور أجهزة لشفط الدهون، لكن تبقى طريقة واحدة أكثر أمناً تتمثل في حقن محلول ملحي في الشحم يتضمن مادة تمنع النزف وأخرى تقلل الألم، تسهّل هذه الطريقة شفط الدهون من دون نزف أو مضاعفات.

 لا تختلف النتيجة كثيراً سواء استخدم جهاز السونار أو الليزر أو الشفط الميكانيكي التقليدي للتخلّص من الدهون، فالهدف منها واحد والنتيجة مرهونة أكثر بكفاءة الطبيب في عملية الشفط.

قلّل دمج شفط الدهون مع الشدّ بالطريقة الحديثة الحاجة إلى استخدام «البربيش» لشفط السوائل المتجمّعة وسهّل الشفاء للمريض والعودة إلى روتين حياته سريعاً، كذلك مكّن الأطباء من استعمال هذا الشحم بحقنه في مناطق أخرى هي بحاجة إليه، وستكون لنا مدوّنة مع حقن الدهون.

 كلمة أخيرة، يختلف شدّ الجلد عند مرضى السمنة الذين يجب إخضاعهم لتخفيض الوزن قبل جراحة شدّ البطن وإلا أصبحت النتائج غير جميلة وأخلّت بتناسق الجسم، ناهيك عن المضاعفات التي تزيد بتزايد الشحم كما أسلفنا.

دوري اليوم هو شرح الجراحة  للمرأة التي تعاني من الترهّل، أما في ما يتعلق باختيار نوعها فهو قرار المريض بعد توعيته بأسلوب صحيح علمي من طبيبه.

لن أتحدّث اليوم عن الحالات التي لا تصلح لها هذه الجراحة وأترك ذلك للمناقشة بين هذه الحالات وبين الطبيب، وأقول: يفضل أن تجرى الجراحة بعدما تنتهي المرأة من تكوين أسرتها أو إذا كانت لا ترغب في الحمل لمدة سنتين على الأقلّ بعد الجراحة.

• موضوعنا المقبل هو تجميل الثدي