قبل أن أبدأ تفاصيل المحاضرة المأساة، التي أجزم أنها أسوأ محاضرة حضرتها خلال متابعتي للساحة الثقافية، سأتناول في مقدمة بسيطة أهم مقومات المحاضرة الجيدة والمحاضر المتمكن لربما عرفنا في النهاية سبب حصول هذه المحاضرة الكارثية.

Ad

من يتصدى لإلقاء محاضرة ويوافق على مواجهة جمهور غالبا ما يأتي متشوقا لسماع المحاضر أو رغبة في الاستفادة من موضوع المحاضرة، من يتصدى للخوض في موضوع ما ويحاضر لجمهور يقاسمه الاهتمام نفسه، عليه أن يمتلك مقومات مهارية في فن اجتذاب الحضور الى زوايا الموضوع الذي يريد طرحه وأن يهتم بما يسميه الناقد "الزاوية الضيقة" وهي تناول جانب محدد ومكثف من الموضوع المراد طرحه. لا يستطيع المحاضر مهما كانت قدرته ومهارته أن يطرح موضوعا فضفاضا ويمسك بتفاصيله من جهة ويجذب اهتمام الجمهور من جهة أخرى.

هذا من جانب، من جانب آخر على المحاضر الذي يمارس التدريس الأكاديمي أن يفرّق بين طلبة مادته التي يدرّسها في الجامعة أو المدرسة وبين الجمهور النوعي الذي يحضر محاضرة خارج أسوارالمدرسة. هذا الجمهور يتكون غالبا من مهتمين ودارسين وزملاء مهنة للمحاضر، ويكاد يخلو في الغالب من وجود طلبة المحاضر ولذلك تختلف طريقة ومنهجية تلك المحاضرة عن المحاضرة التدريسية.

الأستاذة الفاضلة أسامة الموسى أعرفها منذ كنت طالبا في الجامعة، وأعرف اهتمامها بالفلسفة ودراستها لها حتى أصبحت مساعد مدرس في قسم الفلسفة في جامعة الكويت كما ذكر مقدّم المحاضرة التي ألقتها على مسامعنا وليتها لم تفعل. ولست هنا متجنيا على أسامة الموسى التي لم أرها منذ ربع قرن، ولكنني أتذكر أيضا أنها ومنذ ربع قرن وهي مهتمة بتخصصها الفلسفة وأخذ التخصص منها جلّ اهتمامها الأكاديمي. ولم أكن وحدي من ساءته المحاضرة فالاستياء هو الانطباع الذي خرج به جمهور المحاضرة وأسباب ذلك الاستياء هو ما قمنا بمناقشته والزملاء بعد المحاضرة.

قدّمت الأستاذة أسامة الموسى محاضرة تحت عنوان عريض هو فلسفة العلوم ولم تحاول البحث عن باب أضيق تستطيع من خلاله الدخول الى تفصيل مهم وأكثر اثراء لموضوع المحاضرة. وتحت هذا العنوان العريض لم تطرح الأستاذة منهجا واضحا أو خطة منهجية لمحاضرتها التي ستلقيها على زملاء بعضهم أعلى درجة علمية منها، كل ما فعلته الأستاذة هو إلقاء كم غير معقول من الأسئلة، وكأننا نحن من سيجيب عنها لا هي، وبقيت الأسئلة معلقة لم يجب عليها أحد. وبالرغم من كل ذلك كان يمكن تجاوز هذه الهفوات لولا المأساة التي حدثت بعد المحاضرة.

فبعد فتح باب النقاش سأل أحد الحضور الأستاذة المحاضرة عن الفرق بين فلسفة العلوم والميتافيزيقيا. ولأن السؤال من صلب اختصاص الباحثة كان من المتوقع أن تجيب عنه بكل سهولة، فذلك بمقدور طالب سنة أولى فلسفة وبمقدور قارئ مطلع لم يدرس في قسم الفلسفة. لكن الأستاذة المحاضرة همهمت وحمحمت وتأتأت وارتج عليها وتوقفت ثم سألت الحضور  بكل حسن نية وصفاء ذهن وخواء معرفي هل يستطيع أحد أن يساعدني.!!!!! ولكي تكتمل المأساة يخرج شاب ويقدم شرحا للفرق بين المفهومين. لم أستطع أن أتحمل ذلك فخرجت من المحاضرة /المأساة وفي ذهني سؤال واحد: اذا لم تكن الأستاذة متمكنة من مادتها التي ستقدمها لنا على مدى عشرين دقيقة فقط لماذا تجشمت كل هذا العناء لتقول لنا لا شيء؟ أليس من الأجدر أن تبقى تحاضر هكذا محاضرات على طلبتها الذين سيخرجون بعد أجيال من الآن عباقرة ومحاضرين لا يشق لهم غبار؟