قبل أسابيع بسيطة تجمعنا، وكان عددنا لا يتجاوز ثلاثين فرداً، في شارع محمد مساعد الصالح (شارع الصحافة سابقاً)، كان الغرض من الاجتماع «لم يكن عاما بأي معنى» إظهار رفضنا قرار وزير الأشغال الدكتور فاضل صفر إلغاء قرار المجلس البلدي بتسمية الشارع باسم المرحوم محمد مساعد، الذي أعيد تسميته في ما بعد باسم المرحوم بمبادرة من حضرة سمو أمير البلاد حفظه الله. في ذلك الاجتماع البسيط لاحظنا استنفاراً غريباً من وزارة الداخلية وسيارات البلدية، كانت هناك حالة «فوبيا» واضحة من وزارة الداخلية من أي تجمهر ولو كان عدد المتجمهرين، الذين كانوا كتاباً وأصحاب فكر، بسيطاً، فقط كانت هناك «أوامر عليا» من وزارة الداخلية بمنع كل تجمع عام أيَّاً كان، وكان الضباط الحاضرون أصدقاءنا ومن معارفنا القديمة مثل طارق حمادة ومصطفى الزعابي، كانوا يشعرون ببعض الحرج، فلم تكن المسألة تستاهل مثل ذلك الاستنفار الأمني واستعراض قوة السلطة ولا أقول نيتها البطش. انتهى الاجتماع بثرثرة بيننا وبين الضباط رافقتها لحظات حنين استرجعنا فيها ذكريات قديمة انتهت من عقود جميلة.

Ad

اليوم تعود «فوبيا» (مرض الخواف) إلى وزارة الداخلية في دعوة تجمع ساحة الصفاة، وأخذت وزارة الداخلية تتلو البيانات الواحد تلو الآخر، تهدد من الاجتماع وتذكرنا بنصوص القانون وعقوباته، كان خطاب وزارة الداخلية يحمل الوعيد والتهديد، ويدخل في روع الناس بأن مثل تلك الاجتماعات هو بمثابة انقلاب على نظام البلد وأمنه، ورافقه حالة استنفار أمني من أجهزة العصا الغليظة التي تلوح بها الوزارة، ولم يكن مثل هذا متوقعاً من الوزير الشيخ أحمد الحمود الذي يراهن الكثيرون بأنه يحمل آمالاً كبيرة في إصلاح الأجهزة الأمنية بالوزارة، وهذا أملنا فيه. أيضاً، فليتسع صدره قليلاً، فالمجتمعون الشباب لا يريدون سوى التعبير عن أنفسهم، لا يريدون غير ممارسة أبسط الحقوق الدستورية في «الاجتماعات العامة»، هم ملوا الاثنين معاً، تركيبة مثل هذا المجلس «البصام» ورب عمله الحكومي.

فما الضير في ممارسة سعة الصدر الآن، فليس الشباب الداعون إلى التجمع من أصحاب السوابق في الإخلال بالأمن، وليسوا حفنة أشرار ستقلب أمن الدولة.

حجة وجود قوانين تمنع مثل هذا الاجتماع العام رغم صدور حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية عدد من مواد وفقرات القانون، لا يعني إضافة قداسة على المواد الباقية التي تحظر «المواكب والتظاهرات والتجمعات المقامة في الميادين؛ فأشد أنواع الظلم والاستبداد هو الذي يكون مدوناً بنصوص القوانين، فهي قوانين لها صفة الشرعية، إلا أنها في الوقت ذاته تفقد صفة المشروعية حين تتعارض مع روح الدستور ومبادئ العدالة الإنسانية.

لا حاجة إلى الخوف من أن تكون ساحة الصفاة هي نسخة كويتية لساحة اللؤلؤة بالبحرين، وهي ليست ميدان التحرير بمصر، ولن تكون أياً منهما، فالظروف مختلفة تماماً، والخشية هنا غير مبررة تحت أي ظرف كان.

من ناحية أخرى، ماذا يمنع الشيخ أحمد الحمود أن يفتح حواراً عاقلاً بينه وبين نائب مثل مسلم البراك –بغرض الخروج بصيغة تفاهم حول مكان الاجتماع– ولو كان البراك يمثل نفسه كمواطن وليس كنائب للأمة.

لا أجد فرقاً هنا بين ساحة الصفاة «المحرمة» أو ميدان التحرير أمام مجلس الأمة، مادام الغرض السامي هو ممارسة حق الشباب في التعبير عن رأيهم في سياسة الدولة الغائبة عن الأولويات والغارقة في «تكتيكات» و«تضبيط» نوابها... بالحوار الهادئ وبالخطاب العاقل يمكن بسهولة تجاوز لغة الوعيد إلى لغة الأمل والعمل للإصلاح.