تشغل الأعمال الدرامية الكويتية في موسم رواج البث المرئي في شهر رمضان ساحات الفضائيات المحلية والخليجية والعربية، فالإنتاج الغزير للمسلسلات والبرامج الكويتية، يثبت أن الكويت هي مركز الإشعاع الإبداعي لمعظم الفنون في المنطقة، ورغم محاولات بعض الدول الخليجية اللحاق بالكويت في هذا المجال، فإنها مازالت تحبو ولم تستطع أن تجاريها في هذا المضمار، فأفضل ما أنتجه الأخوة في الخليج مازال يمثل محاولات لا أكثر، وعلى سبيل المثال فإن مسلسل «طاش ما طاش»، الذي تنتج منه نسخ منذ أكثر من 17 عاماً، لا يرقى أن يكون عملاً درامياً متكاملاً، بل هو عبارة عن «إسكتشات» غير متماسكة، تتشابه مع ما أنتج في الكويت في ستينيات القرن الماضي، مثل برنامج «محكمة الفريج»، كما أن محاولات الدول الخليجية الأخرى ليست أفضل حالاً بسبب انكماش الإنتاج الدرامي البحريني والقطري بعد محاولات جادة لهما في السنوات الأخيرة.

Ad

الكويت التي تراجعت في مجالات عدة، وخسرت ريادتها التجارية والعلمية والرياضية في المنطقة، مازالت تفرض سبقها وتفوقها بالإبداع الفني الذي يدخل ملايين البيوت في دول الخليج والدول العربية، ويرسخ وجودها ككيان وصانع مؤثر للرأي العام والتوجهات الثقافية، وهي ميزة وأداة لا يستهان بها في عالمنا اليوم، ويطلق عليها القوة الناعمة التي تتم دراستها كعلم قائم بحد ذاته، فالدراما الكويتية بخبراتها المتراكمة ونجومها المميزين تفرض نفسها على برامج البث الفضائي التلفزيوني، وإن كانت لا تزال المواضيع التي تطرح فيها تدور في حلقة ضيقة لا تتجاوز القضايا الخاصة بالعلاقات الاجتماعية، ولم تتجرأ بعد على طرح قضايا سياسية واقتصادية بعمق وحرية في المسلسلات التلفزيونية، بخلاف المسرح الكويتي الذي تناولها من قبل بالجرأة والحرية المطلوبتين، ومازالت الدراما التلفزيونية الخليجية تدور في فلك قضايا المطلقات والأرامل واللقطاء والشرف، وهي القضايا التي تتخصص فيها على سبيل المثال الفنانة حياة الفهد، وتجعل من مسلسلاتها نسخاً مكررة تصل إلى حد الملل بسبب الحوارات والمشاهد المتطابقة في المسلسلات الثلاثة الأخيرة التي أنتجتها، رغم إمكاناتها وخبراتها الفنية الكبيرة.

وبشكل عام ودون أن ألعب دور الناقد الفني، فإن ما تقدمه الدراما الكويتية من خلال المسلسلات التلفزيونية والمسرح الخليجي، الذي يقوده الفنانون الكويتيون دون غيرهم، يمثل نبض مجتمعات دول الخليج وإبداعات أبنائها، ولذلك كان المواطن الكويتي الدكتور نايف المطوع صاحب فكرة قصص الأبطال الـ99 الذي يعرض الحضارة الإسلامية للأطفال الأميركيين بشكل مشوق ومشرف، محل إشادة الرئيس الأميركي باراك أوباما به في البيت الأبيض في أبريل الماضي، كما أن دخول أكثر من ثلاثة ملايين متصفح على الموقع الإلكتروني لأحد مسلسلات الفنانة سعاد عبدالله والكاتبة المبدعة هبة مشاري حمادة هو إثبات لمدى حرفية وإتقان الفنان والمبدع الكويتي، بالإضافة إلى الإقبال الخليجي الكبير على المسرح الكوميدي للفنان طارق العلي، والابتكارات والمؤثرات المسرحية المتطورة للفنان الكويتي الأصيل عبدالعزيز المسلم.

هذه المكانة المتميزة للفنانين والمبدعين الكويتيين، والأعمال التي ينتجونها تستحق أن تجعل الكويت «كوليوود الخليج»، كما أصبحت بومبي «بوليوود» الهند وآسيا- وهي اشتقاقات من اسم عاصمة الفنون العالمية «هوليوود»-، وهي مكانة رفيعة ومؤثرة للكويت في محيطها والعالم، ولكنها تتطلب دعماً حكومياً وشعبياً للمحافظة عليها، ومن أهم وسائل الدعم توفير البنية التحتية الحديثة للإنتاج الإعلامي من مسارح واستديوهات، وهي المقترحات التي تدور في أروقة الحكومة منذ سنوات دون تنفيذ، ولذلك نتطلع إلى أن تبادر الدولة إلى إنشاء مدينة الإنتاج الإعلامي ومباني المسارح في المحافظات، حتى لا نفقد آخر مواقع الريادة الكويتية المتبقية لنا.