... وستفلت خيوط اللعبة من يد النظام!
يدور في الإنترنت هذه الأيام مقال ساخن منسوب للكاتب محمد عبدالقادر الجاسم، وقد سألني أحد الأصدقاء ما إذا كنت أعرف هل المقال له في الحقيقة أم لا، فأجبت بأني لا أدري، لكن الأمر جعلني أفكر وأتساءل: هل لايزال المهم اليوم، وفي مثل الظروف التي نمر بها، من الكاتب أم ما المكتوب؟ هل لايزال الخوف من هوية المرسل أم من فحوى الرسالة؟!
يقضي الكاتب محمد الجاسم اليوم عقوبة السجن بعد إدانته قضائياً لكتابته مقاله الذي كان بعنوان «ناصر السابع عشر»، إلا أنه وسواء قبلنا بهذا أم رفضناه، أعني حبس الجاسم، من حيث المبدأ أو من حيث الشكل، فالمقال قد وصل إلى القراء، والأفكار التي أراد أن يبثها الكاتب قد انتشرت ولم يتم التصدي لها وتفنيدها بعينها، وقد أعيد استنساخ المقال لعشرات المرات في عشرات المواقع، وهو الأمر الذي كان وسيظل من المحال السيطرة عليه بحال من الأحوال، وهنا الفكرة! ماذا لو كان المقال نفسه منسوباً لمجهول؟ أو ماذا لو كان منسوباً لهذا الكاتب أو ذاك، والتزم صاحبه الصمت حيال نسبته إليه، أو أنكره، وبالطبع لن يكون حينها ممكنا أبداً إثبات نسبته إليه، خصوصاً أن المقال منشور بصيغة إلكترونية مباشرة على الإنترنت؟ ألم تصل الرسالة المقصودة في هذه الحالة بغض النظر عمن أرسلها؟!نعم، أدرك أن التصريح والمقال والمكتوب المنسوبة لشخص بعينه أكثر تأثيراً في ديالكتيكات الصراعات السياسية ولا شك، ولكن الظروف الاستثنائية في كل مكان وزمان تفرز حتماً وسائل استثنائية في مواجهتها، وواقعنا السياسي مستمر اليوم بالتشكل على هيئات جديدة غير مسبوقة، سواء على صعيد ما هو دستوري حقاً وما هو غير دستوري، وما هو مسموح به وما هو غير مسموح به، وما هو ممكن علناً ومباشرة وما هو غير ممكن، لهذا وفي ظل هذه التغيرات النوعية الحادة، يمكن الجزم بأن المرحلة القادمة ستشهد كذلك في المقابل تغيرات نوعية حادة، على صعيد وسائل التفاعل الشعبي والمواجهة، ولذك فلا شك أننا سنرى تصاعداً غير مسبوق في حدة الطرح السياسي المقابل، بهيئات وأشكال جديدة ومتنوعة، وستبث على الإنترنت كمقالات وصور وتسجيلات وفيديو، وستكون في الغالب منسوبة لأسماء مستعارة ولمجهولين. إذن على النظام أن يدرك أنه وبمقدار ما يشعر أنه قد أحكم قبضته على الأوضاع اليوم، فإنها في الحقيقة أوضاع زئبقية، ستتسرب من بين أصابعه، وأن شعوره الواثق هو في الحقيقة شعور زائف، فبمقدار ما يظن أنه قد أمسك بكل خيوط اللعبة، فإن هناك عشرات الخيوط الأخرى المتشابكة الآخذة بالإفلات وتلك التي لن يمكن الإمساك بها أصلاً.أعتقد أن عنصر القوة الأهم في واقع صراعنا السياسي اليوم هو الزمن، وهذا العنصر ليس في مصلحة النظام أبداً، فمع مرور الأيام، وبشكل أسرع مما قد يتوقع، تتطور وتتعدد الأدوات والوسائل التي بيد خصوم النظام في هذه المواجهة، وستفلت الأمور تلقائياً من يده، وهو الأمر الذي يجب أن تدركه جميع الأطراف وتعمل بمقتضاه.