هل يعيد السعودي إلى «التحقيقات» هويتها الضائعة؟
لجان الفريق انتهت من تقارير الهيكل التنظيمي والإجازات والتأمين الصحي
يواجه الفريق يوسف السعودي المدير العام للإدارة العامة للتحقيقات جملة من التحديات لإصلاح الإدارة وبيان هويتها القانونية الحقيقية.
في الوقت الذي يواصل فيه رئيس الإدارة العامة للتحقيقات الفريق يوسف السعودي جهوده من أجل تطوير أداء الإدارة العامة للتحقيقات من خلال تشكيله العديد من اللجان المتخصصة في الإجازات أو الخدمات او الهيكل التنظيمي للإدارة، تثور في المقابل جملة من التساؤلات حول فلسلفة عمل الإدارة العامة للتحقيقات الحقيقية وبيان الدور الحقيقي من عمل تلك الإدارة؟ وهل الإدارة العامة للتحقيقات جهاز قانوني مستقل يمارس عملا قانونيا مهنيا محضا وفق الأصول المرعية في قوانين الجزاءوالإجراءات والمحاكمات الجزائية؟ أم انها إدارة شأنها شأن باقي الإدارات التابعة لوزارة الداخلية تعمل وفق سلسلة من الإجراءات كما هو الامر المتبع في باقي إدارات الوزارة؟وللبحث عن إجابات لتلك التساؤلات يتعين الاتفاق على أن واقع الإدارة العامة للتحقيقات اليوم لم يكن كواقع الإدارة في الثمانينيات فبات دورها اليوم ينحصر على ممارسة دور التحقيق والادعاء امام المحاكم دون أن تتحقق من سلامة ما يقدم إليها، والحال كذلك ينصرف إلى طريقة تصرف في القضايا بعد الانتهاء من التحقيق فيها والذي تنتهي فيه الإدارة وتحديدا من جهة الادعاء بإحالة كل القضايا إلى المحاكم، في وقت تملك فيه حفظ أكثر من نصف القضايا التي تتولى التحقيق فيها وتريح المحاكم من "عوار راس" القضايا "البسيطة والتافهة" والتي من باب أولى يتعين عدم استقبالها وعدم الإفراد لها الوقت والجهد اللازمين من قبل السادة المحققين وتفريغهم على القضايا الأهم لا القضايا ذات الطبيعة المدنية البحتة أو القضايا البسيطة أو التافهة.الواقعويكشف الواقع العملي الذي تعيشه الإدارة العامة للتحقيقات عن تراجع أداء العديد من المحققين التابعين للإدارة العامة للتحقيقات، وخصوصا من المحققين القدامى، وقد يكون سبب هذا التراجع إلى فقد الإدارة لدور تطوير أداء المحقق من الناحية القانونية والمهنية وتركيز الإدارة على مطالبة المحقق بإنجاز أكبر قدر من التحقيق في القضايا الواردة إليه دون أن تعي الإدارة بتطوير أداء المحقق ورفع قدراته في التحقيق مما قد يجعل من المحقق منتجا في عمله أكثر من تركه بهذه الصورة السلبية، وهو ما جعل من المحقق آلة لتخليص واستكمال أكبر عدد ممكن من فورمات القضايا المعروضة أمامه، ومن ثم يعرض تلك الفورمات بعد الانتهاء منها إلى رئيسه ليعتمد الأخير كتاب رفعها إلى إدارة الادعاء العام والتي تقرر فورا إحالتها إلى المحكمة، حتى ولو كان رأي المحقق في ختام الأمر هو حفظ القضية!مهنية المحقق والسؤال الذي يتعين طرحه مجددا هنا، هو هل المحقق يتعامل بمهنية مع القضايا الواردة إليه وفق قوانين الجزاء والإجراءات والمحاكمات الجزائية؟ أم انه مجرد موظف فرضت عليه الإدارة نمطا ووضعا خاصا لينجز عمله فيه دون أن يضيف لمساته القانونية أو حتى يبدي رأيه القانوني فيها على الرغم من وضوحها، والخيار الثاني بنظري هو الأقرب للتطبيق على واقع الإدارة العامة للتحقيقات وهو ما يستلزم على الإدارة الجديدة ممثلة بالفريق السعودي النظر إليه، والعمل على تغيير فلسفة العمل في الإدارة العامة للتحقيقات وخلق أسلوب جديد للعمل يسوده الفكر القانوني لا الوظيفي والشكلي، والتعاطي بأسلوب جديد مع القضايا الواردة للإدارة فالقضية التي تحمل طبيعة مدنية يتعين على الإدارة رفض استقبالها، والحال كذلك بالنسبة للقضايا التافهة والبسيطة، والتعامل مع القضايا وفق معيار فني بحت، والابتعاد تماما عن أسلوب العمل الحالي والذي ينتهي إلى إحالة كل ما يرد الى المخافر من شكاوى إلى القضاء دون أن يكون للمحقق أو لجهة الادعاء العام رأي حقيقي في كل القضايا التي ينتهي التحقيق منها.المخافروالأمر الأخير الذي يستلزم إثارته هنا هو مقار المخافر التي يتم التحقيق فيها، وهل هي صالحة كبيئة للتحقيق مع المتهمين فيها؟ أم ان المخافر بيئة طاردة لرفع أداء المحقق وبث الحيدة في قراراته والتعامل مع القضايا بأريحية تامة؟والواقع العملي يكشف عدم صلاحية مقار الشرطة حاليا بأن تكون مقار للتحقيق، وهو الأمر الذي أكدت عليه اللجنة القضائية المشكلة من المجلس الأعلى للقضاء من أن توفير المبنى يؤكد استقلالية الجهاز وضرورة فصل جهاز التحقيق عن جهاز الشرطة الموجود في المخافر، وهو الأمر الذي تم العمل به قبل نحو عامين إلا أن وزير الداخلية عاد وقرر إعادة التحقيق في المخافر، وبالتالي يتعين على الفريق السعودي أن ينظر مجددا إلى صلاحية البيئة التي يعمل بها المحقق.الإصلاحوفي الوقت الذي يتعين على الفريق السعودي بذل المزيد من القضايا وعلى رأسها العمل على إقرار التقارير المنجزة من اللجان المشكلة في الإدارة والخاصة بالإجازات والهيكل التنظيمي وحتى التأمين الصحي، كما أن لواء الإصلاح الذي حمله السعودي على عاتقه يجب أن يكون معتمدا على فلسفة ودور الإدارة العامة للتحقيقات في الفترة المقبلة والوقوف مجددا على دور الإدارة الحقيقي وبيان ما إذا كانت إدارة قانونية بمعناها الفني أم انها تمارس عملا تتلقى بموجبه الشكاوى وتحيلها إلى القضاء دون أن يكون لها أي دور قانوني آخر!