ما قل ودل: لم يكن تنحياً بل كان تنحية
لا أستطيع أن ألتمس للرئيس عذراً، في أنه لم يكن يعلم الحقيقة، وأن من حوله قد حجبوها عنه، بعد ثورة الاتصالات، التي جعلت من العالم قرية صغيرة، فأخبار الفساد وأخبار الرشوة وأخبار الثروات التي نُهبت، كانت تتضمنها بلاغات للنائب العام، تُقرأ وتُسمع وتُشاهد على وسائل الإعلام، في الداخل والخارج، ولكن الملفات كانت تقفل وأبواب النفاق كانت تتعالى أصواتها لتبرئ ساحة الفاسدين والمرتشين.شعور الرجل السياسي
إن الشعور الحديث للرجل السياسي بالمسؤولية الشعبية وحسه المرهف من الناحية الأدبية لكل نقد أو تجريح، قد يحمله على التعجيل بالتخلي عن منصبه إذا ما لاح له أنه فاقد ثقة الأمة، خصوصاً إذا ما استند هذا التجريح إلى حقائق دامغة وأسباب قوية تتردد أصداؤها في الرأي العام.عبارات رصينة، لم أجد فيما قرأت في المسؤولية السياسية، أبلغ منها لوصف شعور الرجل السياسي، عندما يكون راعيا لأمة، أضناها القمع والقهر اللذين مارسهما ورجاله، والمؤتمرون بأمره، على عباد الله من رعاياه.شعور الرجل السياسي عندما يكون راعيا لأمة سلبت ونهبت أموالها وثرواتها وسرى واستشرى الفساد في كل أرجائها، وأصبح دخل الفرد لا يفي بالضرورات الأساسية للعيش الكريم لملايين من الشعب أصبحت تحت خط الفقر.تذكرت هذه العبارات وأنا أسمع ما تردده تصريحات المسؤولين من أن بقاء الرئيس حتى انتهاء مدته، هو للحفاظ على كرامته، وعلى كرامة المؤسسة العسكرية، باعتباره قائداً للقوات الجوية، وقائد الضربة الجوية الأولى في حرب 1973.ميليشيات رجال الأعمالتذكرت هذه العبارات وأنا أرى الرئيس حسني مبارك، يتجاهل هذه الثورة الشعبية، ويترك ميليشياته وميليشيات رجال الأعمال الذين نهبوا ثروات البلاد، تخرج بالجمال والأحصنة لسفك دماء المتظاهرين في ميدان التحرير، مصراً على البقاء في السلطة، وكأن مصر قد أصبحت إرثا لا ينازعه فيه منازع، ولا يردعه عن الاستئثار بها وبثرواتها رادع.وإذ به يعلن في بيانه الثاني، أن الأغلبية الساحقة من شعب مصر، تعرف من هو حسني مبارك، وتعرف إنجازاته في السلم والحرب، مصراً على البقاء.الحقيقة تمس قدسية الرئيسولا أستطيع أن ألتمس له عذراً، في أنه لم يكن يعلم الحقيقة، وأن من حوله قد حجبوها عنه، بعد ثورة الاتصالات، التي جعلت من العالم قرية صغيرة، فأخبار الفساد وأخبار الرشوة وأخبار الثروات التي نُهبت، كانت تتضمنها بلاغات للنائب العام، تُقرأ وتُسمع وتُشاهد على وسائل الإعلام، في الداخل والخارج، ولكن الملفات كانت تقفل وأبواب النفاق كانت تتعالى أصواتها لتبرئ ساحة الفاسدين والمرتشين، وعندما واجه الرئيس الخطر الذي اندلع في «ميدان التحرير»، رفض الاعتراف بالحقيقة لأنها تمس قدسيته، وتعرقل تصميمه وعناده الذي عرف به، وتحرمه شيئاً من أثرته، فظهر مستأسداً ومهددا ومتوعداً في بيانيه الأول والثاني، وظلت وسائل إعلامه تحمل رسالتها في تضليل وخداع مشاهديها، وكأنها الزرافة تضع رأسها في الرمال، لتأمن من سهام الصيادين. وأعلن أنس الفقي وزير إعلامه، أن الشعب كله خلف حسني مبارك معتمداً على مقابلات أجرتها الشاشات الحكومية لبعض البسطاء من الناس الجالسين على المقاهي، الذين كانوا يطالبون ببقائه ليواصل عطاءه، وكان الشعب كله يضحك على هذه الفبركة الإعلامية. واستعدت قول الشاعر أحمد شوقي، في مصرع كليوباترا:اسمع الشعب «ديون» كيف يوحون إليهملأ الدنيا صياحا بحياة قاتليهيا له من ببغاء عقله في أذنيهوتمنيت لو كان أمير الشعراء معنا الآن، لقال شيئاً مختلفاً في تنحية الرئيس مبارك، بأيدي ثوار «ميدان التحرير» وقد استيقظ شعب مصر، وعادت له روحه المصرية الأصيلة وإرادته الثورية.تحية للشهداءتحية لشهداء ثورة 25 يناير، تحية لغضبة الشباب والشعب المصري في «جمعة الغضب»، التي علق عليها كيسنجر وزير الخارجية الأميركي السابق، بقوله إنه عاد يقلب صفحات التاريخ، فلم يجد مثيلاً لثورة بهذا التنظيم العفوي، للتجمعات التي يفصلها عن بعضها بعضا مئات الأميال، ولكنها تتحدث بصوت واحد وبلغة واحدة ولهدف واحد وبمطالب واحدة، ووصفهم بـ«الزلزال»، الذي كسر جدار الخوف في صدور كل المصريين، وعندما سئل بماذا تنصح نتنياهو، أجاب بألا يعلق على شيء أو يصرح بشيء، وأن عليه أن يعيد حساباته وأن يراجع قراراته، أمام شعب يملك كل هذه الغضبة.وتحية لجيش مصروتحية لجيش مصر، الذي احتضن ثورة الشعب، ووفر لها الحماية والتأمين، مثلما احتضن الشعب انقلاب الجيش في 23 يوليو 1952، فأضفى على هذا الانقلاب شرعية الثورة، ثورة 23 يوليو 1952، التي كان من أهدافها إقامة حياة ديمقراطية سليمة، جاءت ثورة 25 يناير لتحققها لمصر وشعبها. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة