ليسمح لي القراء اليوم أن أقفز بالزاوية إلى خارج دائرة ما دأبت الكتابة عنه خلال الأيام الماضية، رغماً عن مزاجي، حيث سأتحدث عن قضية محلية.

Ad

الموضوع اليوم عن مشكلة إدارية، أو سأقول عن فوضى إدارية صاخبة ضاربة تجري في إحدى المدارس، أقول هذا وأنا أدرك أنه ما عاد من المستغرب في بلادي أن يجري مثل هذا أو أن يتكرر يومياً، في قطاعات مختلفة، وأن الأمر لا يحتاج إلا لقرار ارتجالي، من هذا المسؤول أو ذاك، لكن ما استفزني للكتابة وترك ما كان يشغل فكري، هو أن الأمر يمس قطاع التعليم، ويمس الطالب في المقام الأول، والذي هو أساس العملية التعليمية، كما يقول أهل التربية والتعليم دوماً!

أدرك أن أمام وزيرة التربية الكثير من المشاكل التي تشغلها، وأنها في أتون معارك متعددة على جبهات متنوعة، وأنها لذلك، وللأسف، صارت تقضي جل وقتها في ميدان السياسة، لا في ميدان التربية والتعليم، سواء أرادت ذلك أم اضطروها إليه، لهذا، فلست في وارد أن أجعل من هذه القضية «صداعا» آخر في رأسها، بقدر ما أتمنى أن تلتفت إليها التفاتة موضوعية تخصصية، وأن تنظر إليها من باب مصلحة الطالب أولاً.

تبدأ الحكاية كالتالي... ضاقت ثانوية أم الهيمان (بنات) بأعداد الطالبات المنقولات من المتوسط إلى الصف العاشر (الثانوي)، فقرر أحد ما، أن الحل يكمن في نقل هؤلاء الطالبات إلى منطقة الفحيحيل، فوقع الاختيار على «ثانوية لطيفة الفارس»، وهنا بدأت عجلة المشكلة بالدوران المحموم!

«ثانوية لطيفة الفارس»، كبيرة في المساحة، لكن عدد الفصول بها قليل، في حين أن عدد الطالبات المحولات يقارب، أو ربما يتجاوز، الثمانمئة طالبة، ليصل العدد الإجمالي في «ثانوية لطيفة الفارس» إلى أكثر من ألف طالبة!

وجاء هذا العدد المهول من الطالبات الذي اكتسح المدرسة ليجد أمامه عجزاً في أعداد المعلمات في جميع الأقسام العلمية تقريباً، وأدى إلى جعل عدد فصول الصف العاشر يصل إلى 23 فصلاً، ليصل نصاب المعلمة إلى 21 حصة أسبوعياً، متجاوزاً بذلك كل المألوف والمعروف، ناهيك عما صار يحتاجه من جهد إداري وإشرافي كبيرين للسيطرة عليه!

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بعدما خلقت هذه المشكلة التعليمية الواضحة داخل المدرسة، والتي أتت على حساب كفاءة التدريس ومستوى التحصيل العلمي للطلبة، انتقلت كذلك إلى خلق مشكلة مرورية كبيرة في الشوارع المحيطة بالمدرسة عند الدخول والخروج، فعدد الباصات التي تأتي من أم الهيمان في الصباح وتغادر إليها ظهراً يقارب الثلاثين باصاً، ولكم أن تتخيلوا شكل الاختناق المروري والتأخير الذي بلغ من الجسامة أن الطلبة والمعلمات والإداريين في «ثانوية لطيفة الفارس» صاروا لا يصلون بيوتهم إلا قبيل العصر، لتصبح تجربة الذهاب والعودة من هذه المدرسة تجربة كريهة وثقيلة على نفوس كل الأطراف المرتبطين بها!

نموذج فاقع، وأعني اللفظة بمعنييها المتبادرين، فاقع اللون وفاقع للمرارة، لكيفية التخبط في إدارة الأمور عندنا! والتساؤلات عديدة وبدهية لكون الأمر لم يكن مفاجئاً، فأعداد الطالبات كان معروفا منذ سنوات، والمشكلة كانت واضحة لمن لديه قليل من التخطيط، وأهم هذه التساؤلات يتمثل في لماذا لم يتم توزيع هذا العدد الكبير على أكثر من مدرسة؟ ولماذا لم يتم إسناد «ثانوية لطيفة الفارس» بقوة تدريسية كافية من قبل انطلاق هذا الأمر؟ ولماذا... ولماذا؟!

كما قلت، التساؤلات كثيرة ومريرة، ولكن أملي أن تلتفت الدكتورة موضي الحمود إلى هذا الأمر، وأن تتخذ الإجراءات السليمة حياله على وجه السرعة، وألا يضيع في زحمة ما تواجهه من مشاكل وصراعات!