القطط التي تربط إلى الأعمدة في حياة الناس اليوم كثيرة، في كل جانب من جوانب هذه الحياة، والناس تمضي في معيشتها دون أن تكلف خاطرها بالتساؤل لماذا هي مربوطة يا ترى؟! فهل ترانا نتوقف، ولو لبعض الوقت، ونتساءل عن ذلك؟! تروي إليزابيث جيلبرت، في روايتها الشهيرة «صلاة... طعام... حب»، أن لدى الهنود قصة معبرة عن معلم عظيم كان محاطاً دوماً في معتزله بالأتباع المخلصين، وكان هؤلاء الأتباع يقضون معه ساعات في التأمل كل يوم، ولكن كان ثمة مشكلة وحيدة، فقد كان لدى ذلك الشخص قطة صغيرة مزعجة، لا تفتأ تتجول في المعبد، وهي تموء وتفسد على الجميع الهدوء في أثناء التأمل، فأمر ذلك المعلم العظيم مستنداً إلى حكمته العملية البالغة، أن تقيد تلك القطة الصغيرة إلى عمود في الخارج لبضع ساعات في اليوم، وذلك في أثناء جلسات التأمل فقط، كي لا تزعج أحداً من المعتكفين.

Ad

مع مضي الوقت، تحول الأمر إلى عادة، فصار كلما حان وقت جلسات التأمل، لابد أن يتم تقييد القطة إلى العمود في الخارج، ومع مرور السنوات، تحجرت هذه العادة، وتحولت إلى ما يشبه الطقس الديني، فلم يعد بإمكان أحد أن يعتكف ليتأمل من دون ربط القطة إلى العمود أولاً.

في أحد الأيام، ماتت القطة، فأصيب الأتباع بالذعر، وعانوا أزمة خطيرة، كيف لهم الاعتكاف وأن يمارسوا التأمل الآن من دون قطة يربطونها إلى العمود؟ كيف سيصلون إلى الإله؟ لقد أصبحت القطة في عقولهم هي الوسيلة التي لا يمكن الوصول من دونها، بعدما نسوا، أو لعلهم تناسوا، أن معلمهم كان يربطها لمجرد التخلص من إزعاجها في أثناء جلسات التأمل لا أكثر!

ذكرتني هذه القصة الأسطورية العميقة الدلالات بقصة القرود الخمسة الشهيرة، والتي سبق لي أن كتبت عنها منذ سنوات عدة، وكيف صارت القرود في تلك القصة تشارك جميعها في ضرب كل قرد جديد يدخل إلى قفصها دون أن تعرف لماذا تضربه أصلاً، وكذلك بقصة تلك الزوجة الجديدة التي كانت تحرص على قص ذيل السمكة قبل أن تقوم بقليها لمجرد أنها شاهدت جدتها تفعل ذلك، وحين سئلت الجدة عن السبب، جاءت الإجابة بأنها كانت تقص ذيل السمكة لأن المقلاة كانت صغيرة ولا تتسع لكل السمكة!

لهذه القصص الرمزية الكثير مما يقابلها في حياة الناس، سواء على الصعيد الديني، أو على مستوى الحياة والعمل، فكم من الطقوس الدينية التي يأتي بها كثير من الناس، ويحرصون على التمسك بها وتأديتها، بل يرون أن عباداتهم لا تستقيم من دونها، هي في واقع الأمر ليست من الدين في شيء، وحسبها أنها عادةٌ جاء بها أحد ما في زمن من الأزمان فسارت وسرت بين الناس جيلاً بعد جيل حتى اختلطت بالدين.

وكذلك كم من الممارسات الإدارية البيروقراطية في بيئات العمل المختلفة، التي يؤديها الموظفون دون السؤال عن أصلها وهدفها، لمجرد أنهم وجدوا الجميع يمارسونها كذلك منذ لحظة توظيفهم الأولى.

وكذلك على مستوى الإنسان شخصياً، كم من الأمور التي اعتاد المرء القيام بها، حتى صارت جزءاً من روتين حياته، دون أن يتوقف ولو للحظة واحدة ليفكر فيها، ويتفكر في فائدتها وقيمتها، وهل ستكون حاله أفضل لو هو تخلص منها ربما.

القطط التي تربط إلى الأعمدة في حياة الناس اليوم كثيرة، في كل جانب من جوانب هذه الحياة، والناس تمضي في معيشتها دون أن تكلف خاطرها بالتساؤل لماذا هي مربوطة يا ترى؟! فهل ترانا نتوقف، ولو لبعض الوقت، ونتساءل عن ذلك؟!