يبدو أن توقعاتي التي نقلتها لكم في مقالي «النظام... ومرحلة كسر العظم» ستصيب، فشكل الأمور متجه إلى ناحية الحكومة في مسألة استجواب الرئيس، بالرغم من كل التفاؤل الذي أبداه المستجوبون خلال الأيام الماضية من قدرتهم على حشد الرقم الكافي لطرح الثقة برئيس الحكومة.

Ad

والغالب أن الشيخ ناصر المحمد سينجو من طرح الثقة على المستوى العددي، وسيفشل الاستجواب على ميزان المصوتين في خانات الـ»مع» والـ»ضد» والـ»ممتنعين». لكن الأرقام وإن لم تصل إلى مستوى طرح الثقة، فإنها يجب أن تكون قد أرسلت رسالة صارخة للنظام عن الشكل الذي آلت إليه الأمور على الأرض، وعن شكل الصراع السياسي وطبيعته في القادم من الأيام.

البعض يردد بأن من الواجب على رئيس الوزراء أن يتنحى طواعية بعدما وصل عدد من يقفون في صف عدم التعاون معه إلى هذا الرقم، التزاما بنص المذكرة التفسيرية للدستور الذي قال «كما أن تجريح الوزير، أو رئيس مجلس الوزراء، بمناسبة بحث موضوع عدم الثقة أو عدم التعاون، كفيل بإحراجه والدفع به إلى الاستقالة، إذا ما استند هذا التجريح إلى حقائق دامغة وأسباب قوية تتردد أصداؤها في الرأي العام»، وهذا الكلام صحيح في عمومه، لكنه في رأيي لا يصلح في هذا المقام، لأنه يغفل عن كون النظام لم يقر مطلقا بأي مسؤولية تجاه ما جرى من تعد لقوات الأمن على المواطنين في ندوة الحربش في الصليبيخات، بل يرى أن ما حصل كان إجراء قانونيا سليما، وأن دوافع هذا الاستجواب هي دوافع ترصدية انتقامية من شخص الشيخ ناصر المحمد فحسب.

كما أني أرى جميع الأطراف المتناحرة بعيدين كل البعد عن إدراك روح الدستور ومقاصده، وهو أن المسألة برمتها اليوم قد صارت صراعا سياسيا ممتدا، يتبادل فيه الخصوم اللكمات والركلات والطعنات طوال الوقت بلا هوادة، بمناسبة ومن غير مناسبة، وبالتالي فإن قيام أي طرف بالمناداة بالاحتكام إلى الدستور ونصوص المذكرة التفسيرية، ناهيك عن الوقوف عند روحه ورسالته السامية، قد صار من قبيل الترف السياسي في هذا الواقع المحتدم، وهو الذي صار يشهد نفاقا وردة دستورية كبرى!

يا سادتي،،، الرئيس مستمر على رأس حكومته، وستستمر حكومته غالبا بشكلها الحالي، وإن خرجت الأمور عن السيطرة، وهو الاحتمال البعيد جدا عن استقراءاتي، فإن النظام سيأتي بخيارات قادمة أشد وأشرس في مواجهة خصومه، كجزء من معركة الانتقام وتصفية الحسابات.

وفي المقابل، فاستجواب الرئيس هذا، لن يكون الأخير في عمر البرلمان الحالي، بل سنشهد سريعا استجوابا جديدا للرئيس، لأي سبب آخر، وما أكثر الأسباب المستحقة وغير المستحقة، وجميع النواب اليوم ما عاد يقنعهم استجواب أي وزير دون الرئيس، فاستجواب الوزراء قد صار أشبه باللعب في دوري الناشئين، والكل من النواب يريد أن يسدد كراته على مرمى الرئيس مباشرة في دوري المحترفين!

إذن، وللإجابة عن من سألوني عن توقعاتي لشكل الفترة القادمة من عمر الكويت، فأقول بأني لا أرى على الطاولة أي علامات إيجابية للسنوات الخمس القادمة على الصعيد السياسي، في ظل هذا الصراع المشتبك ما بين النظام وخصومه طوال الوقت، لكن لعل الأيام تحمل مفاجآت ومقادير ليست في الحسابات الظاهرة!