لا أدري ما هي طبيعة جينات العرب، وخصوصاً زعماءهم وصفوتهم ووجهاءهم، فلم يتبق على شاكلتهم أحد في الدنيا سوى استثناءات محدودة جداً في آسيا وإفريقيا وجزر مجهرية في البحر الكاريبي فقط، بينما كل المحيط بهم قد تحوّل إلى دول عصرية ديمقراطية تحترم شعوبها وتُشركها في اختيار حكامها وخيارات مستقبلها، إلا نحن في العالم العربي المنكوب منذ مئات السنين، والمحكوم بنظريات «السيف والمنسف» و»فرّق تسد»، بينما أساليب الحكم الرشيد التي تجعل الشعب مصدر السُّلطات وصاحب إرادة الاختيار لحكامه، هي ظواهر دخيلة يتولى حكامنا سحقها من عقول الشعوب العربية بالحديد والنار.جينات العرب تستحق أن يدرسها أكبر العلماء ليكتشفوا سر التصاق حكامنا بالكراسي وتوريثها دون دورٍ للشعوب التي يحكمونها في ذلك، وعدم تورعهم عن إشاعة الطائفية وتمزيق مجتمعاتهم، وحتى إبادة شعوبهم للحفاظ على السُّلطة. وأثرياؤنا لا يشبعون من تكديس الثروات مهما بلغت، بينما أثرياء العالم يتعففون ويتنازلون عن نصف ثرواتهم وبعضهم عن كلها للأعمال الخيرية والبحث العلمي، في حين أن وجهاءنا يفضلون الموت على أن يسددوا حق الدولة من ضرائب ورسوم، ومثقفونا حملة مباخر للحكام و»عجافة» لا يشق لهم غبار للسُّلطة، والشعوب تبحث في عقول بعضها عن معتقداتها لتتقاتل على أحداث مضى عليها 1400 عام، وتجتهد لتضيف «ال» على ألقابها لتحصل على مناصب وامتيازات في الدولة وتستبدل مستندات مؤهلاتها وخبراتها بصك «شجرة العائلة»!
العرب هم أكثر من يتحدث عن التاريخ، ويؤولونه لمصالحهم وهم سجناؤه دون أن يسهموا في الحضارة الإنسانية الحديثة بشيء سوى الأوهام التي يوهمون بها أنفسهم، ويلومون العالم على مصائبهم بسبب هذا الكيان الصغير المصطنع الذي اسمه إسرائيل الذي زُرِع في منطقتهم، ولم يستطيعوا مواجهته بسبب عللهم الداخلية، لا بسبب قوته ودعمه من قوى كبرى خارجية، ورغم أن العديد من الأقاليم العربية قد تحول منذ ما يزيد على قرن ونصف إلى صورة الدولة الحديثة فإن أقل تحدٍّ يواجهها تحولها إلى صورة الدولة البدائية من تقسيمات طائفية ومناطقية وعرقية بما يؤكد أن الإنسان العربي مهما عاش في كنف الحضارة الحديثة وتعلم منها وبرع في علومها، فإن غرائزه البدائية تكون كامنة ولا تزول ومستعدة للانطلاق حين تتوفر البيئة المناسبة لذلك.البعض سيعلق على هذا العرض للحالة العربية بأنه انهزامية وجلد للذات، وسيحاول تفسير أحوال العرب الذين أضحوا عالة على المجتمع الدولي بسبل علم النفس وعلم الاجتماع السياسي وخلافهما من العلوم، التي قضينا عقوداً من الزمن ونحن نحاول أن نضع من خلالها وصفة علاج للحالة العربية دون طائل، بل إن أحوال العالم العربي أخذت تتردى وتعود إلى مظاهر الأصولية الدينية والنعرات العرقية والمناطقية، ولم تحدث تغيرات جدية فيه إلا بعد أحداث دموية وثورات في مصر وتونس وليبيا واليمن ولا نعرف ماذا ستسفر عنه، بسبب الممارسات العربية الشاذة عما يحدث حولنا في العالم، وفي ظل أحوالنا تلك ألا يستحق أن يخصص علماء العالم مراكز بحوث لدراسة سر جينات العرب حتى يتم عزل الجين المسبب لتردي أحوالنا وتخلفنا حتى نوفر على المجتمع الدولي الكلفة التي يتحملها نتيجة لذلك؟!
مقالات
جينات العرب!
10-04-2011