في ظل فوضى المعلومات المتناثرة على صفحات الصحف العالمية التي تتولى نشر الوثائق الأميركية الدبلوماسية المسرّبة المنشورة على موقع «ويكيليكس» الفضائحي، أظهرت المحاولات الحثيثة التي لم تنجح إلى الآن في منعه كلياً من بثّ المعلومات التي يملكها على الإنترنت، مدى ضعف قدرات الولايات المتحدة، أكبر الدول في العالم، على التصدّي للقدرات الهائلة للشبكة العنكبوتية.

Ad

وبيّنت القوة الإلكترونية مدى عجز واشنطن عن حماية سريّة معلوماتها ومنع التداعيات الخطيرة التي ترتبت على موظفيها العاملين في سفاراتها المنتشرة في معظم أنحاء العالم.  

رغم صدور أكثر من مذكرة توقيف دولية بحقه، أجرى مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج مقابلة صحافية نشرتها صحيفة «الباييس» الإسبانية أمس، رأى فيها أنه يجب على الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يستقيل إن كان وافق على أن يقوم دبلوماسيون أميركيون بالتجسس على موظفي الأمم المتحدة.

وردّ أسانج (39 عاماً) على أسئلة «الباييس» من موقع لم يُحدَّد، واعتبر أنه «على سلسلة القيادة بكاملها التي كانت على علم بهذا الأمر ووافقت عليه أن تستقيل، حتى يمكن اعتبار الولايات المتحدة دولة ذات مصداقية. إن الأمر على درجة من الأهمية بحيث يمكن أن يكون طُرح على الرئيس للموافقة عليه». وأضاف أنه «على أوباما أن يفصح عما يعرفه بشأن هذا الأمر، غير المشروع. وإن رفض الإجابة أو كان هناك دليل على أنه وافق على هذا العمل، فعليه أن يستقيل».

دفاع أسترالي

وفي سياق متصل، أعلنت الحكومة الأسترالية أن البلاد ستوفر المساعدة القنصلية لمؤسس "ويكيليكس" إذا ما تم القبض عليه في الخارج.

ومع ذلك، نددت الحكومة مرة أخرى بنشر "ويكيليكس" للوثائق الدبلوماسية الأميركية السرية، وقالت إن هذا الفعل يهدد أمن الولايات المتحدة وحلفائها.

وأفاد المحامي العام روبرت ماكليلاند للصحافيين في كانبرا، بأن نشر هذه الوثائق تصرف غير مسؤول من جانب "ويكيليكس" لأنه قد يساعد على تحديد هوية العملاء، إلا أن لأسانج الحق في العودة إلى البلاد وتلقي المساعدة القنصلية من المسؤولين الأستراليين إذا تم القبض عليه خارج البلاد.

تشكيلات دبلوماسية

في غضون ذلك، أعلن موقع "ذي دايلي بيست" المتخصص في السياسة الأميركية، أن الولايات المتحدة تنوي إجراء حركة تشكيلات في صفوف دبلوماسييها في العالم لاستبدال الدبلوماسيين الذين نقل "ويكيليكس" معلومات عنهم.

ونقل الموقع أن "إدارة أوباما وضعت برنامجاً لإجراء حركة تبديل لدبلوماسييها العسكريين والعاملين في مجال الاستخبارات في السفارات الأميركية في العالم أجمع، لأن المعلومات التي نقلها موقع "ويكيليكس" تجعل من المستحيل عليهم مواصلة عملهم، لا بل قد يكونون أصبحوا معرضين للخطر".

كذلك، صرحت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ليسلي فيليبس، رداً على احتمال حصول حركة تشكيلات دبلوماسية: "سبق أن قلنا إننا سنقوم بذلك إذا لزم الأمر".

كذلك، نقل الموقع عن مسؤول كبير في الأمن القومي قوله: "قد نكون مضطرين إلى استبدال عدد من أفضل عناصرنا لأنهم تجرأوا على قول الحقيقة عن البلد الذي يعملون فيه".

وقد يكون السفير الأميركي في أفغانستان كارل ايكنبيري أول المغادرين، بسبب المراسلات التي أرسلها وتناول فيها الفساد على أعلى مستوى في الحكومة، وخصوصاً ما قاله عن الرئيس حميد كرزاي.

ومن بين الدبلوماسيين المرشحين للاستبدال يبرز السفير الأميركي في ليبيا جين كرتز، الذي أرسل مذكرة دبلوماسية بتاريخ 2009 إلى واشنطن ينقل فيها أن الزعيم الليبي معمر القذافي لا يتنقل إلا برفقة "ممرضة أوكرانية شقراء".

الهجوم على الموقع

من جهة أخرى، أعلنت شركة "بي آر كيو" السويدية المستضيفة لموقع "ويكيليكس" أن خوادمها أصبحت لا تستجيب وربما تكون متعرضة للهجوم. وقال ميخائيل فيبورغ الناطق باسم الشركة إن سبب العطل لم يتضح على الفور وأعرب عن اعتقاده، أنه يرجع على الأرجح إلى ما يُسمى هجوم منع الوصول إلى الخدمة. وأضاف أن الخوادم لم تُغلق أو تعرضت للضغط من قبل سلطات إنفاذ القانون من أجل ذلك.

إلى ذلك، أغلق النظام البريدي السويسري حساب "ويكيليكس" المصرفي في انتكاسة أخرى خطيرة للموقع.

وأعلن مسؤول في "سويس بوست" بالعاصمة السويسرية برن أمس، أن الحساب المفتوح تحت اسم جوليان أسانج سيتم إلغاؤه.

ولا يترك القرار أمام أسانج سوى عدد قليل من الخيارات لجمع الأموال لمصلحة موقعه، وذلك من خلال مركز سويسري- ايسلندي للبطاقات الائتمانية وحسابات في ايسلندا وألمانيا.

التوتر في لبنان

وفي أبرز ردود الأفعال الدولية على تأثير التسريبات، اعتبرت السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيلي عقب لقاء مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أمس، أن الوثائق المسرّبة تخدم "زيادة منسوب التوتر" في لبنان الذي يترقب صدور قرار اتهامي عن المحكمة الدولية المكلَّفة النظر في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.

وقالت كونيلي إن "عمليات كهذه من الكشف غير الشرعي وغير المسؤول الذي يقوم به "ويكيليكس"، تخدم هؤلاء الذين يريدون زيادة منسوب التوتر وتسجيل نقاط سياسية".

ورأت السفيرة الأميركية بحسب ما نقل عنها بيان صادر عن مكتب الحريري الإعلامي، أن "ثمة إمكانية لمجموعات تسعى إلى الاضرار بالعلاقات بين الولايات المتحدة ولبنان بأن تحاول استخدام عملية الكشف هذه كفرصة لنشر مواد مفبركة للتسبب في فتنة وفقدان الثقة".

وبين هذه الوثائق المسرّبة التي تخصّ الشأن اللبناني، محضر لقاء بين المدعي العام للمحكمة دانيال بلمار والسفيرة الأميركية السابقة في بيروت ميشيل سيسون يحث فيها بلمار واشنطن على تقديم المساعدة إلى المحكمة.

كذلك، كشفت وثيقة أخرى، أن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري عبّر لدبلوماسية أميركية في بيروت في عام 2008 عن مخاوفه من أن تقضي حرب إسرائيلية جديدة ضد لبنان على قوى 14 آذار.

ونقلت الوثيقة عن الحريري قوله للسفيرة سيسون إنه "يشاطر الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله مخاوفه من وقوع حرب إسرائيلية". وأضاف أن "البعض في إسرائيل والولايات المتحدة يعتقد أن إسرائيل يجب أن تتخلص من حزب الله، مرة واحدة ونهائية"، محذراً من أن "مثل هذه الخطوة ستعطّل حزب الله مؤقتاً، لأن سورية وإيران ستعيدان بناءه في لبنان". واعتبر أن "السُّنة والمسيحيين سيخسرون لأن القتال الإسرائيلي سيكون ضد أمة وليس فقط ضد حزب الله". وأضاف أن "ذلك سيقضي على قوى 14 آذار".

كذلك أفادت البرقية بأن "الحريري اشتكى من اللقاء الأميركي الأخير مع وزير الخارجيّة السوري وليد المعلّم". وأشار إلى أن "مصر والسعوديّة لا تتكلمان مع سورية، وقال إن الولايات المتحدة تُخاطر بخسارة الدعم العربي، الذي تمتلكه حالياً، خصوصاً في لبنان والعراق، من خلال محادثاتها مع دمشق".

من جهتها، أشارت السفيرة الأميركية السابقة في بيروت إلى أن "الولايات المتحدة نقلت إلى المعلّم الملاحظات الأميركيّة؛ وتتضمّن دعم سورية لعناصر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، دعم سورية للإرهاب، وسجل سورية في مجال حقوق الإنسان. كما أعلنت واشنطن دعمها للسيادة اللبنانيّة". وأبلغ الحريري أن "المسؤولين الإيرانيين

لايزالون يدعونه إلى طهران، وأوضح بنيّة طيبة أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع التأثير في زياراته، خصوصاً أنه لن يفاجأ بزيارات مسؤولين أميركيين إلى سورية وإيران يوماً من الأيّام. ومع ذلك، قال إنه لن يُسافر إلا إذا كانت تخدم مصالح لبنان الحيويّة.

الاتصالات اللبنانية

وفي سياق متصل، كشفت وثائق أخرى، أن "الحكومة اللبنانية حذّرت أصدقاءها من أن شركة إيران تيليكوم، سيطرت على أنظمة الاتصالات في لبنان قبل عامين، حين اكتشفت شبكة اتصالات سرية لحزب الله في جميع أنحاء البلاد".

وذكرت صحيفة الـ"غارديان" البريطانية نقلاً عن الوثائق الدبلوماسية السرية الأميركية أن "المعلومات المتعلقة بشبكة الاتصالات السرية لحزب الله والتي زُعم أن إيران موّلتها، جرى تمريرها إلى الولايات المتحدة والسعودية ودول أخرى من قبل وزراء لبنانيين، كما أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ذُهل من هذا الاكتشاف".

ونسبت إلى الوثائق قولها إن "وزير الاتصالات اللبناني مروان حمادة حذّر القائم بالأعمال الأميركي في بيروت من المخاطر المترتبة على إعلان حزب الله أنه سيعتبر أي إجراء ضد شبكة اتصالاته بمنزلة فعل عدواني إسرائيلي".

وأضافت الوثائق أن حمادة "أبلغ الأميركيين أيضاً بأن شبكة الاتصالات السرية تعمل من بيروت إلى الجنوب تحت نهر الليطاني وعبر وادي البقاع إلى أقصى الشمال وتغطي المخيمات الفلسطينية ومخيمات تدريب حزب الله، وتتوغل في عمق المناطق المسيحية، وسمّى الصندوق الإيراني لإعادة إعمار لبنان كمصدر تمويل الشبكة".

وأشارت الصحيفة إلى أن برقيات دبلوماسية أخرى من السفارة الأميركية في بيروت أوردت "أن الحكومة اللبنانية تعاملت بعصبية مع قضية شبكة الاتصالات السرية، واعتبرت أن توجيه أي اتهام عام ضد حزب الله سيثير تساؤلات ملحّة عن أسباب عدم قيامها بإزالة دبابات حزب الله، ويسبب مخاطر عسكرية لها".

«عطلة مفتوحة»

وفي أبرز تداعيات نشر الوثائق الفضائحية، قرر وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله منح مدير مكتبه هيلموت ميتسنر "عطلة مفتوحة"، إذ إن بعض التسريبات لموقع "ويكيليكس" كشفت عن قيامه بنقل معلومات للسفارة الأميركية في برلين.

وقال أمين عام الحزب الديمقراطي الحر، كريستيان ليندنر، الذي يتزعمه فيسترفيله أمس، إن موعد عودة ميتسنر إلى مكتبه مازال مفتوحاً. وأضاف: "نرغب في أن نتسم بالكرم الشديد في ما يتعلق بالعطلة في هذه الحالة الخاصة"، غير أنه نفى صحة التكهنات

بشأن إقالة ميتسنر (41 عاماً).

ووفقاً لـ"ويكيليكس"، أعطى ميتسنر السفارة الأميركية في برلين معلومات حول مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي بين المحافظين والليبراليين في أعقاب انتخابات خريف العام الماضي.

ووفقاً للوثائق التي نشرتها مجلة "دير شبيغل" الألمانية على موقعها الإلكتروني أمس، فإن وزير الخارجية السابق فرانك فالتر شتاينماير الذي نافس المستشارة أنجيلا ميركل على منصب المستشارية في انتخابات سبتمبر 2009، كشف للسفير الأميركي في برلين عن الصعوبات التي كان يواجهها في الحملة الانتخابية وضعف موقفه أمام ميركل.

ورغم أن شتاينماير كان يؤكد دائماً في اللقاءات العلنية أن "الحزب الاشتراكي سيتقدم"، فإنه كان يعرف مسبقاً أنه سيخرج خاسراً من الانتخابات.

وشكا شتاينماير قيام الرئيس الأميركي بالتأييد العلني لميركل وقوله لها أمام الكاميرات إن النتيجة محسومة على الأرجح لمصلحتها، معتبراً أن هذا الأمر لم يكن عنصراً مساعداً له.

(واشنطن، كانبرا - أ ف ب، يو بي آي، رويترز، أ ب)

الظروف التي أحاطت بإعدام صدام «أحرجت» واشنطن

أظهرت وثيقة نشرها موقع "ويكيليكس" أمس، الحرج الأميركي الناجم عن الظروف التي أحاطت بإعدام رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين، وخصوصاً قول أحد الحراس "اذهب إلى جهنم" بينما كان يلتقط مسؤولون صوراً بهواتف محمولة لعملية الإعدام.

ودفعت هذه التصرفات السفير الأميركي في بغداد حينئذ، زلماي خليل زاده، إلى القول إن مؤيدي صدام سيستغلونها من أجل تأكيد أن المحاكمة لم تكن عادلة.

ووفقاً للوثيقة المؤرخة في السادس من يناير 2007، فإن نائب المدعي العام العراقي منقذ آل فرعون، وصف تصرف الحارس، الذي هتف، خلال اجتماع مع خليل زاده بأنه شائن.

وعلّق كاتب الوثيقة، الذي لم تُكشف هويته، على الإعدام قائلاً إن "الحكومة العراقية افتقدت خطة واضحة ومنسقة للسيطرة على الشهود ونفذت عملية الاعدام بتسرع وسط الفوضى".

وتنقل الوثيقة عن فرعون قوله إنه شعر بنوع من "العطف" على صدام لدى رؤيته في 30 ديسمبر في قاعة الإعدام "مغطى الرأس ويداه مقيدتان وهو يرتجف"، مشيراً إلى أن "صدام كان يتصرف وكأنه ما يزال رئيساً". وقال فرعون لخليل زاده إنه شاهد على الأقل اثنين من المسؤولين العراقيين يلتقطان صوراً بواسطة هاتفيهما المحمولين لدى حضورهما عملية الإعدام، رغم أن ذلك كان ممنوعاً، وفقاً للوثيقة. وأضاف فرعون أنه عندما كان صدام يؤدي الصلاة الأخيرة قبل إعدامه، ردد أحد الحراس شهود بصوت مرتفع "مقتدى مقتدى مقتدى" في إشارة إلى الزعيم الشيعي.

من جهة أخرى، أشارت الوثيقة إلى أن قائمة شهود عملية الإعدام تغيّرت "عدّة مرات وضمّت في إحدى المرات بين عشرين إلى ثلاثين شخصاً".

ونقلت الوثيقة عن خليل زاده قوله لفرعون، إن "أنصار صدام سيستغلون الإعدام ذريعة لإدانة محاكمة هي عادلة ومنصفة". وأضاف أن "عدداً كبيراً من الأشخاص الذين عبّروا عن سعادتهم بمثول صدام أمام المحكمة أصبحوا يشعرون بالحنق نظراً إلى مجريات عملية الإعدام". كما تساءل خليل زاده حول إعدام صدام يوم عيد الأضحى، لكن فرعون قال إن الخبراء أبلغوا الحكومة أنه "إذا نفذت العملية قبل بزوغ الشمس"، فإنها لن تتزامن مع حلول العيد.

(بغداد ـ أ ف ب)