يُحسب لاتحاد كتّاب مصر عقد جلسته الطارئة التي جاءت في اليوم التالي أو الثالث لانطلاق الثورة في مصر، نجم عن الجلسة بيان صريح لا لبس فيه يقف إلى جانب الشعب، ويدين السلطة وأدوات قمعها، كان ذلك بالطبع قبل حادثة «الجمال والجياد» التي اقتحمت ميدان التحرير، وما تلا ذلك من رمي للقناصة من أسطح المباني المجاورة للميدان.
كان بيان اتحاد الكتاب أول رد فعل من النقابات المهنية في مصر، تبلور بعد اجتماع لم يدم أكثر من ثلاث ساعات، وتناقلته وكالات الأنباء بلمح البصر. لم يتريث أعضاء الاتحاد لاستبيان الأمور، أو الترصد لاستكشاف موطن الغلبة ثم تحديد الموقف كما يفعل الكثيرون. أصدر الاتحاد بيانه وهو يجهل مصير الأحداث أو موقع القوة. أصدر الاتحاد بيانه رغم علم أعضائه بأنهم قد يتعرضون للمضايقة والسطو من السلطة، وتجار الحزب الوطني الحاكم. شكرا لاتحاد كتاب مصر هذا الموقف النبيل.يتزامن موقف اتحاد كتاب مصر مع مواقف أخرى مشابهة من مثقفين عرب لهم ثقلهم المعرفي والفكري، فبين أيدينا بيان صادر عن مثقفين عرب يعلن انحيازه إلى جانب الشعب والجماهير عبر دعوة صريحة إلى التعددية السياسية والعدالة، واستقلال السلطات، والحرية الإعلامية والبحثية، كلها أمور لا يختلف عليها اثنان، وهي مغيبة بكل تأكيد في الحالة المصرية. وقع البيان المذكور قرابة أربعين مفكرا، يتقدمهم: أدونيس، والطاهر بن جلّون، ومحمد بنيس، وأمين معلوف، وعبداللطيف اللعبي، وعيسى مخلوف، وخالدة سعيد، وآخرون.يبرز من بين كل هذه المواقف موقف الناقد المصري جابر عصفور الذي استوزر، فقبل الوزارة، وفي رأيي أن هذا شَرَك كبير نصب للناقد، وهو كاتب ومفكر، لديه مريدوه، وتلاميذه يتوزعون في أرجاء المعمورة، لست أدري ما الذي دفع عصفور إلى قبول هذا المنصب، وهو في رأي كثيرين لا يضيف له شيئا، بعد توليه أعلى المناصب الثقافية العربية، ووجوده في الكثير من المؤتمرات، الأمر الذي صنع له «كاريزما» عبر المحيط العربي، يخدشها بالتأكيد هذا المنصب (الشَرَك). فرق بين أن يكون المثقف أستاذا جامعيا، وكاتبا وباحثا حرا، وأن يكون موظفا بدرجة وزير. وبالتأكيد المنصب بحد ذاته ليس معيبا، ولكنه جاء مواليا لسلطة قمعية بدأت أسوارها في التهاوي، سلطة يقف شباب مصر مناهضين لها في ميدان التحرير. لو لم يأت توزير عصفور في هذه الظروف الحرجة لقلنا إنه خير من يتولى الوزارة، ولكن في الظرف الحالي، نقول إن عصفور كان سيبقى ناصعا لو أنه اعتذر عن هذه الوزارة.موقف كهذا يطرح عميقا علاقة المثقف بالسلطة، وهي علاقة ملتبسة، لا يكاد يسلم منها إلا القليل من مثقفي الصف الأول، وأولئك الذين يترقون في سلم المناصب، قناعة المثقف وحده تحدد المسار الذي يريد. فنحن نرى في ميدان التحرير المخرج الشاب خالد يوسف، وبجواره الموسيقار الكبير عمار الشريعي، ونرى أطيافا من الإسلاميين والليبراليين، والناصريين. إذن ما من مجال للتواري، أو الإمساك بالعصا من المنتصف بعد أن قال الشارع كلمته، وهذا الشارع سيكون مختلفا لأن الشارع المصري عرف بطبيعته العاطفية وحبه الجارف لوطنه رغم قساوة هذا الوطن، ورغم تهميش سلطته للأغلبية العظمى.وكذلك فإن نظرة الشعوب العربية إلى مصر مختلفة. فمن هناك، من أروقة جامعة القاهرة انطلقت شعلة العلم، ومن مصر المحروسة انطلق المعلمون عبر أرجاء الوطن العربي، وإلى مصر المحروسة أوفدت حشود من طلبة العلم إبان فترتي الخمسينيات والستينيات، بل قبل ذلك بكثير. أجل فالنظرة إلى مصر مختلفة والقضية حين تكون مصرية ستأخذ أبعادها.
توابل - ثقافات
المثقف والسلطة
06-02-2011