رسائل إلى روائي شاب

نشر في 09-11-2010
آخر تحديث 09-11-2010 | 00:00
 طالب الرفاعي يعتقد بعض الكتاب الشباب أن الكتابة الروائية، والقصصية إلى حد ما، ترتبط بقدرة وموهبة الكاتب على تدبيج وسباكة جمل مترابطة وسلسة، تؤدي في محصلة سياقها إلى الإخبار عن حكاية ما، وأن تشويق أحداث الحكاية، وربما رومانسيتها، كفيلان بإنجاح وصولها إلى جمهور القراء. لكن الروائي البيروفي صاحب نوبل، ماريو بارغاس يوسا Mario Vargas Liosa يؤكد أن ذلك أبعد ما يكون عن الفهم الحقيقي والعلمي، لعالم وفن ورسالة كتابة الرواية.

في كتابه «رسائل إلى روائي شاب- Cartas un Joven Novelista»، الصادر عن دار المدى، بطبعته الثانية 2010، ترجمة المترجم القدير صالح علماني، يجنّد يوسا نفسه للرد على تساؤلات شاب عن كتابة الرواية، وهي الحيلة التي استخدمها للتعبير وبثّ فهمه الخاص والعملي لهذا الكون الرحب والعجيب، متكئاً على رصيد روائي كبير وساحر، توزع مترجَماً على أكثر من عشرين لغة عالمية. من يقرأ كتاب يوسا متأملاً المرتكزات التي يرى أنها قادرة على النهوض ببناء رواية ممتعة ومحكمة البناء فنياً، سيدرك إلى أي حدٍ هو يوسا مشبع ومسكون بعالم الرواية، ولحظتها يبدو واضحاً كيف أنه يكتب الرواية مستنداً إلى رصيد كبير وعالمي وإنساني من القراءات الروائية، وفهم نظري مدعّم بمئات القراءات النقدية الواعية لكل كلمة تمرّ من أمامه. وهذا بدوره ينبئ عن أمرين: الأول ضرورة إدمان القراءة وسعة الاطلاع بالنسبة إلى الكاتب، والثاني وجوب تسلح الروائي الشاب بقراءات نقدية يستطيع من خلالها فهم وولوج فنون وألاعيب عالم الرواية الصعب والساحر.

في الرسالة الأولى المعنونة بـ»قطع مكافئ للدودة الوحيدة»، يرى يوسا أن الكتابة الروائية في جوهرها عصيان وتمرد على العالم، وبحث مشروع عن عالم بديل لا وجود له على أرض الواقع القاسية. وأن أي كتابة تخلو من تمرد ورغبة في التغير إلى الأفضل، هي كتابة روائية ناقصة: «فأنا مقتنع بأن من يستسلم لنسخ حيوات من الخيال، مختلفة عن تلك التي يعيشها في الواقع، يعلن بهذه الطريقة غير المباشرة، رفضه وانتقاده للحياة، كما هي عليه، أي للعالم الواقعي، ويعرب عن رغبته في استبدالها بتلك الحياة التي يصطنعها بمخيلته ورغباته». ص9

ويبين ماريو فرغاس، وبشيء من الوجع «أن الكتابة عبودية تستعبد المحظوظين من الكتّاب، وتقصيهم عن الحياة»، فأن تكون كاتباً يعني أن تنذر نفسك للقراءة والكتابة، وأن تكون الكتابة وحدها، ولا شيء غيرها، هي الأولوية الأهم في حياتك. وهذا بالتأكيد يأتي على حساب مباهج الحياة الأسرية والاجتماعية للكاتب، ويجعل منه إنساناً مسحوراً ومستباحاً من قبل القراءة والكتابة.

كتاب «رسائل إلى روائي شاب» هو مبضع بيد جراح روائي ماهر، يضع الرواية على طاولة التشريح، ومن ثم يقوم بالنظر في كل تفصيلة من تفاصيلها: القدرة على الإقناع، الأسلوب، الراوي، المكان، الزمن، النقلات والقفزات النوعية، المعلومة المخبأة. وأرى أن أهم ما يميّز هذا الكتاب الرائع، هو تدعيمه لكل فكرة بمثال روائي، وبالتالي توضيح الفكرة كأجمل ما يكون.

قد يبدو كتاب ماريو يوسا (رسائل إلى روائي شاب) كتاباً متخصصاً، وقد يبدو كتاباً تعليمياً، لكن هذا التخصص وتلك التعليمية، يأتيان بأسلوب مشوق، لا يقل تشويقاً عن أي من روايات يوسا. وبما يشكل نموذجاً للهدية الثمينة التي يقدمها المبدع المتمكن، لقرائه وعشاق فنه، كي يتعرفوا على جزء من خبرته وأسلوبه في كتابة أعماله. وهذه الهدية قُدمت بسوية فنية عالية جداً، لا يتوافر الحصول عليها لدى أي كاتب، ولكن حين تكون بقلم يوسا فهي منهج يمكن أن يتسلح به أي روائي شاب، وضع نصب عينيه هدف كتابة رواية ناجحة. 

back to top