في ثلاث مناسبات متتابعة كان العنف هو سيد المشهد في الكويت، صحيح أنه كان عنفا خفيفا ومحدود الأضرار حين نقارنه بالعنف العربي المعتاد، ولكنه يعدُّ دليلا قويا على أن الحوار المدني في الكويت يتعرض لأزمة حقيقية قد يصعب علاجها إذا ما استفحلت أكثر فأكثر، وهذا العنف الجسدي هو امتداد للعنف اللفظي الذي أصبح سمة لبعض وسائل الإعلام الكويتية في أثناء تعليق كتّابها ومحلليها على بعض القضايا المحلية الشائكة، وقد انعكس عنف النخبة على المزاج الشعبي الذي أصبح ميالا للنقاشات العنيفة التي لا تخلو من بعض الاتهامات القاسية، ويتضح ذلك جليا من خلال شريط الرسائل على القنوات التلفزيونية الكويتية.
الإساءة الشخصية أصبحت أمرا عاديا جدا في وسائل الإعلام، والخلافات الصغيرة أضحت سببا كافيا للعداوة والبغضاء، والأطروحات العنصرية أصبحت جزءا من اللعبة الديمقراطية! وخناقات النخبة باتت أكثر من مشاجرات العامة، وكل شيء يمكن أن يكون مبررا للصدام العنيف والحوار بالأيدي. هذه هزيمة للديمقراطية، وهزيمة الديمقراطية في الكويت تعني هزيمتها في الوطن العربي أجمع؛ لأن الكويت منذ استقلالها شكلت نموذجا مضيئا للحوارات الديمقراطية الحرة ولكنها اليوم– للأسف الشديد– تشكل النموذج النقيض، حيث يجد أعداء الديمقراطية أن حواراتها العنيفة في الفترة الأخيرة هي أكبر دليل على أن ضرر الديمقراطية أكبر من نفعها! بالتأكيد يملك رجال السياسة والإعلام قدرة ما على تحريك الشارع باتجاه ما، ولكنهم لا يملكون القدرة على إعادته إلى الحالة التي كان عليها قبل تحريكه، ففي الأجواء المشحونة فإن النخبة تملك عود الثقاب، ولكنها لا تستطيع تحديد المساحة التي سوف تأكلها النيران، لذلك فإن الجمهور الذي يتأثر بمثل هذه الأطروحات المتوترة سرعان ما يتخلى عن الأسماء التي عبأته بروح التوتر إذا ما لاحظ عليها شيئا من التراخي أو ميلا باتجاه الحوار العقلاني، ويبدأ تلقائيا بإنتاج أسماء جديدة أشد توترا وأكثر سطحية من شأنها تدمير أي نقطة اتفاق قد يلتقي حولها المختلفون.والمثير أن الحوار العنيف في الكويت أمر لا يمكن الإحاطة بأسبابه مهما تفذلك المتفذلكون، فكل طرف يفسر هذه الظاهرة المؤسفة على هواه، ويتهم الطرف الآخر بافتعالها لتحقيق مصالح سياسية، وقد سعى كل طرف إلى خلط الأوراق فضاعت القضايا الكبيرة وسط أكوام من الحكايات الصغيرة، وهكذا لم يعد الصراع السياسي سياسيا بقدر ما هو فئوي، ولم يعد الخلاف الفكري فكريا بقدر ما هو شخصي، ولم تعد النقاشات الإعلامية إعلامية بقدر ما هي تصفية للحسابات القديمة والجديدة. عموما كنت أتخيل أن فوز المنتخب الكويتي لكرة القدم بكأس الخليج سوف يبعد الشارع الكويتي عن هذه الأجواء المشحونة ولو لفترة قصيرة من الوقت، ولكن– ويا للأسف– يبدو أن حالة الاحتقان أكثر تعقيدا من أن تؤجلها فرحة عابرة. * كاتب سعودي كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
حوار كويتي عنيف!
12-12-2010