سمك!


نشر في 13-01-2011
آخر تحديث 13-01-2011 | 00:01
 د. ساجد العبدلي لأنشتاين عبارة ظريفة قالها عندما سألوه عن معنى نظريته الشهيرة حول النسبية، فقال: ضع يدك على فرن ساخن لدقيقة واحدة وستبدو وكأنها ساعة، واجلس بقرب امرأة حسناء لساعة وستبدو وكأنها دقيقة، هذه هي النسبية! وقد تذكرت هذه العبارة «الأنشتاينية» المشاغبة بعدما مررت منذ أيام بموقف خاطف أحسست معه فعلاً بمعنى النسبية، فأحببت مشاركتكم، ولابد من التنويه هنا، وقبل التقدم خطوة إضافية، بأن الموقف الذي تعرضت له خال من الحسناوات تماماً.

توجد في طريقي إلى مقر عملي إشارة ضوئية، لطالما شعرت بأنها إشارة خانقة، حيث الوقوف عندها وكأنه الدهر، فهي تشكل عنق زجاجة تتكالب عنده السيارات القادمة من اتجاهات متعددة. إشارة سقيمة بكل معنى الكلمة، ولسقمها، فلطالما كنت أحاول الاستفادة من تلك الفترة المهدرة عندها بممارسة تمارين التأمل، وضبط النفس، والشهيق والزفير، والتنفس البطني، وكل تلك الحيل التي تعلمها كتب ودورات التنمية الذاتية... فأفلح مرات وأفشل مرات، بحسب المزاج والحالة النفسية!

ذات صباح، توقفت عند نفس الإشارة، وكانت تشغلني منذ خروجي من البيت فكرة أردت الكتابة عنها، وصباحاتي دائماً ما تكون حافلة بالأفكار المتسارعة المتفرعة المتشابكة، والتي إن لم أقم بتقييدها، لا يكاد ينتصف النهار حتى أجدها وقد تطايرت أجزاؤها وتلاشت كخيوط الدخان في فضاء، فأخرجت «الآيفون» وشرعت في الطباعة مستغلا فترة الانتظار، ولعجبي، لم أشعر بمرور ثوان، وقبل أن أتمكن من كتابة شيء كثير، إلا والإشارة الخرقاء قد صارت خضراء مجددا!

إلا أنني مع عجبي أدرك أنه ليس في الأمر سر كبير، فكما أخبرني صديقي المشاغب أنشتاين، هذه هي النسبية.

عندما ينغمس المرء في بحر شيء يحبه ويجد المتعة في أدائه، يمر عليه الوقت سهلاً سلساً سريعاً، وبالعكس تماما فعندما يكون مجبراً على عمل شيء يبغضه أو لا يحبه، يشعر وكأن الساعة قد أصيبت بشلل الأطراف، أو كأن عقرب الثواني يدور عبثاً دون أن تأبه له العقارب الأخرى، ولاحظوا ذات المسألة في سائر مناحي حياتكم... في بيوتكم وفي مقار أعمالكم وفي أنشطتكم الأخرى.

كل أمر تجدون المتعة والسعادة فيه، يمر عليكم بسلاسة وسرعة، ويكون مغلفاً بالإبداع والابتكار والعطاء، وينتهي إلى الشعور بالرضا وغالبا إلى النجاح، في حين أن تلك الأمور التي لا تحبون عملها، وناهيك عن كونها لا تمر عليكم ولا تفرغون من أدائها إلا بشق الأنفس، فإنها تكون روتينية نمطية خالية من الإبداع والابتكار، وتنتهي مخلفة وراءها في نفوسكم شعورا بالملل والضيق في الغالب!

هذا المفهوم، أعني مفهوم النسبية، وكيف أن اللحظات السعيدة والممتعة، تمر سريعاً بنجاح ورضا، وفي مقابلها كيف أن اللحظات الثقيلة الصعبة، لا تكاد تمر وتخلف في النفوس ضيقاً ومللاً، قد صار اليوم من المفاهيم الأساسية والمطبقة دائماً في مناهج إدارة الحياة، والنجاح في العمل، وزيادة الإنتاجية والاستيعاب، وتخفيف الضغوط وما شابه.

من الكتب الرائعة التي مرت عليّ، والتي لم تنتشر كثيراً في عالمنا العربي، لأنه لم تتم ترجمته حتى الآن على حد علمي، ولعل هذا من حسن حظ الكتاب حتى لا ينتهي إلى مجرد كتاب مترجم بركاكة مفقدة للطعم والقيمة، كحال عشرات الكتب الجيدة التي أجرم ناشرون بحقها بعد ترجمتها، كنت أقول إن من الكتب الرائعة حول هذا المفهوم كتاب اسمه (Fish) أي سمك، يصف من خلاله الدكتور ستيفن لندين وزملاؤه، وعبر قصة جميلة، كيف يكون من الممكن أن يتحول العمل الروتيني والنمطي إلى مصدر سعادة ومتعة ورضا، عندما تكون هناك رغبة حقيقية في ذلك.

كتاب أنصح بقراءته، متمنياً لكم قراءة سعيدة، وقبل ذلك حياة سعيدة مليئة بالمتعة والسعادة والنجاح والرضا.

back to top