شاعر مزدحم أبدا

نشر في 12-12-2010
آخر تحديث 12-12-2010 | 00:01
 آدم يوسف خذي سيرتي الذاتية

رتبي منفضتي وسعال الأمس

قولي للحكومة

سيدفع كل الفواتير

ولن يغازل أي امرأة

وهو موافق على سعر البترول

• محمد حسن أحمد

حين وقع في يدي ديوان «زحام لا أحد فيه» للشاعر الإماراتي محمد حسن أحمد لم أكن أعلم أن الاسم ذاته هو المتورّط في النجاحات السينمائية المتتالية عبر فيلمي «مريمي» و»بنت مريم». فهذا الشاب ورفاقه قد بدأوا صناعة وجه جديد للسينما في الخليج.

شيء ما يجذبك نحو الصورة وأنت تقرأ الديوان، لن تستطيع تحديد وجهتك بالضبط، ولكن غير خاف علاقة السينما بالصورة الشعرية. يوظف محمد حسن أحمد خبراته السينمائية وإمكاناته التصويرية الهائلة في صياغة نص شعري يزحف نحو التكوين، أو التشكيل البصري المباغت أحياناً، فهو كاتب سينمائي بالدرجة الأولى، ويختطفه الشعر من حين إلى آخر، وإن كنت أرى أنه شاعر بالدرجة الأولى.

من مواليد رأس الخيمة 1975، عازب، يكره المعكرونة، ويحب «الكوكيز»، ونادي الإمارات، ونادي الجزيرة (هكذا في سيرته الذاتية). يقدم إهداء ديوانه إلى البيت الذي تربى فيه وهو طاعن في العمر بشكله الهندسي المربّع، وإلى أبويه وإخوانه، وأغنية «صعب السؤال» للفنان طلال مداح، وإلى صبي يخاطب البلد من ميكرفون المدرسة، وإلى رقم هاتفه النقال، باص المدرسة، عامل البلدية، بقالة عيسى، الصديقات، الغرفة رقم 4، وسجادة الصلاة.

تتبدى هذه الفوضى أو اللاتراتبية في نهج محمد حسن أحمد الشعري، وهى فوضى تقود إلى المفارقة المفاجئة، مما يصنع مشهداً كوميدياً غارقاً في تساؤلات كونية وفلسفية. يجلب بتقنيته الشعرية الهامش، يجرّه من قفاه ويقحمه في حياتنا. يكفي أن ترسم النصوص البسمة على شفاهنا. ولكن اللافت أيضاً أنك تشتمّ شيئاً من رائحة المكان، المكان المقدس تحديداً، فهو يصرّ على ممارسة طقوسه في حضرة «سجادة الصلاة» التي يذكرها في قائمة الإهداء، ومتن النصوص:

حين لا يستوعبك العالم

خذ وطني وقلبي... سجادة للصلاة.

السجادة ومعها الصلاة تأتي ضمن سياق شعري لا يحتفي بالمقدّس وحده، قدر احتفائه بالمدنّس كذلك، فالحياة فيها من الأمرين ما فيها، هنالك اللصوص والصبية الذين يهربون من سيارات التاكسي، والنسوة اللائي يفردن سهامهن للإغواء:

أترك طيشي عند باب امرأة مطلّقة

وحدي أنا

وراتبي الصغير

ملوث بألف قفل

و... أخيراً

خدش أحدنا الثاني

ورحنا نصرخ بالمارّة

«سئمنا بعضنا»

بإمكاننا أن نرصد حركة الصورة الشعرية في ديوان محمد حسن أحمد النثري بامتياز، تماماً كما نرصد حركة فيلم سينمائي، الصورة في هذه الأخيرة مرئية، ولكنها هناك مجسدة ورقياً. هذا النص النثري المليء بتفاصيل الهامش، ينمو ويكون ذاته لدى شعراء وكتاب قصة آخرين كثر في منطقة الخليج. لا أدري كيف تذكرت فجأة مجموعة «أخي يفتش عن رامبو» للروائي السعودي يوسف المحيميد، تذكرت كذلك نصوص أحمد الملا، وإبراهيم الحسين.

محمد حسن أحمد موهبة شعرية، مشغول بكتابة السيناريو، يراوده المسرح أحياناً، ولكنه ميّال إلى تصوير المشهد بكل أطيافه:

«في كل مدن العالم، ميناء وطيور مهاجرة، ورجل أربعيني غامض، وزجاجة ويسكي مرمية في الشارع، وشاعر لا أحد يعرفه، وزحام لا أحد فيه».

back to top