- "اللهم أيد الإسلام بأحد العمرين"

Ad

الدعاء الذي دعاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) للمولى عز و جل، عندما كان المسلمون قلة مستضعفة، يتعرضون لأقصى ألوان الاضطهاد وصنوف التعذيب.

وسرعان ما استجاب المولى عز وجل لدعاء نبيه، عندما فوجئ المسلمون في اليوم التالي، وهم مجتمعون ورسول الله، يقرئهم القرآن ويعلمهم الدين، فوجئوا بعمر بن الخطاب، وهو أحد العمرين اللذين قصدهما الرسول يقرع الباب عليهم ليعلن إسلامه.

أما العمر الآخر وعلى حد معلوماتي المتواضعة في التاريخ الإسلامي فقد كان عمرو بن هشام (وهو أبو جهل).

طريق جديد لنشر الإسلام

وعلى حد ما أعلم، فإن الإسلام لم ينتشر برشوة الحكام والملوك وإغداق الهدايا عليهم، بل انتشر بما أمر به من عدل ومساواة وإحسان، وهو ما سجله غوستاف لوبون في سفره التاريخي العظيم "حضارة العرب" الذي أخرجه في سنة 1884، وقرر فيه أن من أسباب انتشار الإسلام وضوحه في دعوته إلى التوحيد المحض الذي يكمن فيه سر قوته، وأنه كان دعوة لتهذيب النفوس والتسامح وتعظيم العلم.

إلا أن العقيد معمر القذافي ملك ملوك إفريقيا قد اكتشف طريقاً جديدا لنشر الإسلام وهو إغداق العطايا على الملوك والسلاطين وأمراء القبائل وشيوخها في إفريقيا لإغرائهم على الدخول إلى الإسلام، وأن عدداً منهم قدا استجاب لهذه الدعوة وأعلن إسلامه، وأن فتيات إيطاليات قد أعلنّ كذلك إسلامهن في هذا الملتقى الثاني لملوك وسلاطين وأمراء وشيوخ وعمد إفريقيا.

لذلك تمنيت عندما طالعتنا بعض الصحف بهذا الخبر لو أن هذه العطايا التي منحها العقيد لهؤلاء الملوك والسلاطين، قد وجهت في صورة خدمات صحية واجتماعية إلى الشعوب التي ترزح تحت الحكم البغيض لبعض السلاطين، بإنشاء مستشفيات ومدارس في المناطق التي تعاني شعوبها الجوع والمرض ونقص الخدمات الأساسية.

الأقليات الإسلامية في إفريقيا

إن الأقليات الإسلامية في إفريقيا، التي يحكمها بعض هؤلاء السلاطين والملوك مهددة بالموت جوعاً أو عطشاً أو مرضاً، وأن أعداداً كبيرة منهم تموت يومياً بسبب القحط وقلة الأمطار وانتشار الأمراض، خصوصاً مرض الإيدز، نتيجة نقص خدمات الرعاية الصحية وانعدام المستشفيات أو الأمصال وقلة الوعي، وأن اللغة العربية وهي لغة القرآن والإسلام الذي يدينون به، لا تعرفها الأغلبية الساحقة منهم، وهي لا تعرف سوى اللهجات المحلية التي تختلف من قبيلة إلى أخرى، الأمر الذي لا يوحد المسلمين في البلد الواحد، وتفتقر هذه الأقليات الإسلامية إلى المدارس والمعرفة الصحيحة بالدين، بما يهدد بعودتها إلى الوثنية مرة أخرى.

وأنه فيما وراء الصحراء توجد مناطق على شفا الهاوية تفتك بها الحروب الأهلية والصراعات القبلية، يبلغ عدد الفقراء فيها ما يجاوز الثلاثمئة مليون نسمة.

فضلاً عما تلاقيه الأقليات الإسلامية من اضطهاد وتشريد وقتل وإبادة أحياناً، وأن التاريخ لا ينسى ذبح وقتل نصف مليون مسلم وتشريد مثلهم بعد سقوط حكم عيدي أمين في أوغندا.

الفساد في إفريقيا وملايين الفقراء

يقول روبرت زوليك رئيس البنك الدولي، إن مشكلة الفساد تعد أكثر حدة في إفريقيا، حيث يضيع نحو 25% من الناتج القومي للبلدان الإفريقية في النهب والفساد.

كما تقول تقارير منظمة الشفافية الدولية، إن ثروة موبوتو سيسي سيكو رئيس زائير الراحل قد بلغت 20 مليار دولار في 30 سنة من وجوده في السلطة، وهو ما يطرح سؤالاً مهماً، كيف يمكن لمثل هذا الرئيس، أن يقبل حكماً ديمقراطياً تتداول فيه السلطة، وهو يجني من رئاسته ما يقرب من 750 مليون دولار في كل سنة من سنوات حكمه لبلاده؟

وطبقا لبيانات الأمم المتحدة فقد كان ساني أباشا يسرق من بلاده نيجيريا مليار دولار سنوياً، طيلة حكمه لها.

ولم تنجح نيجيريا في استعادة سوى 500 مليون دولار من الأموال التي نهبها وبعد سنوات من البحث والملاحقة لحساباته في الخارج.

وبالرغم من ضآلة ما تم استرداده من الأموال التي نهبها الرؤساء، فإن دانييل ليبز يجير، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الحد من الفقر والإدارة الاقتصادية، يعتبر ذلك نصراً لملايين الفقراء، لأنه مع كل مئة مليون دولار يتم استعادتها يمكن معالجة 600 ألف شخص سنوياً مصابين بداء الإيدز وتأمين مياه الشرب لـ250 ألف منزل وتطعيم كامل لأربعة ملايين طفل.

الإسلام عقيدة ومسؤولية

إن الإسلام عقيدة ومسؤولية، فإشهار إسلام هؤلاء الملوك والسلاطين هو في تدبر وفهم معاني القرآن ومقاصده ثم تحقيقها بين شعوبهم. وأن بعض هؤلاء السلاطين الذين أشهروا إسلامهم يعيشون حياة من البذخ والثراء يحسدهم عليها أباطرة المال في أميركا، في الوقت الذي تتضور فيه شعوبهم جوعاً وتفتك الآفات والأمراض بهم.

إن السؤال المطروح هو: هل سيحمل هؤلاء السلاطين الدعوة إلى الإسلام إلى شعوبهم، وهل سيقولون لشعوبهم ما قاله الرسول (صلى الله علية وسلم) "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

وكما قال عمر بن الخطاب "فو الله لو تعثرت عنزة من إبل الصدقة بأعلى اليمن لسألني الله: لماذا لم تعبد لها الطريق؟".

كما قال رضي الله عنه "والذي بعث محمداً بالحق، لو أن دابة هلكت بأقصى أرض المسلمين لأخذ بها عمر يوم القيامة".

أليس هؤلاء السلاطين والملوك محاسبين أمام المولى عز وجل عن الظروف المأساوية التي تعيشها شعوبهم وهم يرفلون في أطيب العيش وأرغده؟!

وللحديث بقية... إن كان في العمر بقية.