عندما تكندل الشعب
أدعوكم جميعاً سيداتي سادتي ومن منبر «الجريدة» الحر إلى «الكندلة»، نعم... الكويت بأكملها تحتاج إلى أن «تتكندل» في هذه الأيام السوداء التي لا يظهر لها آخر، وقبل أن تشرع الخناجر، أخبركم أن «الكندلة» هي فعل شراء جهاز «كندل» الرائع الذي، بالرغم من أنه ليس بجهاز جديد، فإنه أصبح حاجة حيوية ماسة اليوم لكل كويتي يعيش على أرض الكويت الطيبة. وفعل «كندل» يعني «يتوهج أو يضيء»، وفي أبعاده الأخرى يعني الإلهام وإثارة الأحاسيس، هو فعل يتضاد وبلادة المشاعر إذن، وبما أن أعراض سكوتنا الخطيرة على كل ما نتعرض له من إهانات تطورت بمنحى خطير أخيراً، فإننا اليوم بأمس الحاجة إلى الجهاز وما يحمله من معان وهاجة قيمة.
وعليه، فقد «تكندل» زوجي نيابة عني قبل أيام مهدياً إياي هذا الجهاز القيم مصحوباً بضحكته الرائقة وهو يتمتم «خلّي معرض كتابهم ينفعهم»، في إجراء وقائي رائع منه لما سيغيم على حياتنا في الأيام القليلة القادمة. ففي كل موسم لمعرض الكتاب، تنقلب نفسيتي، وتزغلل عيناي، ويحمرّ أنفي ويتضخّم، وأصاب بحالة من الاكتئاب منذورة لنوعية الكتب المعروضة التي تتنوع بين تعليمنا أسرار الحياة الزوجية إلى ترويعنا بأنواع عذابات القبر. هذه السنة، قرر زوجي اتخاذ إجراء يخفف حدة الأزمة ويقلل من التضخم «الأنفي» الموسمي، فأتى الجهاز العجيب مهدئاً كقطعة ثلج على حرق جلدي مؤلم. و»كندل» هو جهاز رشيق، ظهره يلتصق ببطنه في نحافة تحسده عليها عارضات الأزياء، ضئيل بغير انكسار، فيجلس مربوعاً في كف اليد قائلاً «يا رقابة انهدي ما عليك قدي». له شاشة عجيبة لا أشعة لها ولا ضوء، فتبدو فعلاً وكأنها صفحة كتاب مطبوع.الجهاز عبارة عن قارئ إلكتروني يمكّن المستخدم من شراء آلاف الكتب من شركة «أمازون» وتحميلها في جسده اليافع ونقلها معه حيث يشاء في أنحاء الدنيا. طبعاً، لم أكذب خبراً، فكانت تجربتي الأولى مع كتاب ممنوع لا يدخله الكويت التهديد النووي الإيراني ولا حتى وساطة العقيد معمر القذافي. دخلت موقع «أمازون»، شبكت الجهاز الأنيق بالكمبيوتر بسلك أبيض جميل، اخترت الكتاب، دفعت دينارين على بطاقتي الائتمانية، و... «كابووم»... دون حتى انتظار وقت للتحميل، الكتاب بأكمله يرقد بين طيات «كندلي» الحبيب. وبينما أنا أتصفح الكتاب، صاحبني قاموس متنقل، كلما أشرت على كلمة أعطاني معناها، ثم جاورني مقص إلكتروني، كلما أشرت إلى مقطع أعجبني، اقتبسه لي دون تردد.تلك هي الحياة السعيدة... لا معرض ولا رقابة، لا منع ولا فضائح مع بقية مثقفي العالم، لا تخوف ولا تردد ولا ترجي أصحاب المكتبات أن يظهروا ما خفي أسفل طاولات عروضهم، لا طلب عبر الإنترنت واليد على القلب من منع الكتب المطلوبة ومن ثم دفع مبلغ فلاني لتوصيلها يفوق سعرها. لا نائب يصفع كتابا في وجهك، ولا رقيب يجره من يدك ليعلمك الأخلاق والأدب، فقط أنت و»كندل» وآلاف الكتب عند «طرطوفة» سبابتك. نعم، تلك هي الحياة السعيدة. فعلى كل كويتي وكويتية يحبون القراءة واقتناء الكتب القيمة التي ليس في فحواها الحديث عن سوائل الجسد أو وسائل منع الحسد، وهم يرغبون كذلك بالمحافظة على صحتهم النفسية أن «يتكندلوا» سريعاً. ففي زمن محارق الكتب وظلمات الفكر لا يبقى لنا إلا أن «نتكندل» ليكتشف الرقيب سذاجته والحكومة خواء إجراءاتها والنواب اتجاه تشريعهم المعاكس.وأقول لرفيق الدرب الغالي، إذا اتبعت الإجراء الاحترازي ذاته مع كل حدث يغتال الحرية في بلدنا، سنحتاج قريباً إلى قرض مهيب لتغطية الهدايا المضادة للإحباط، ولكنني ممتنة وسعيدة، ألا «كندلك» الخالق وأسعد أيامك.«آخر شي»:سيدتي وزيرة التربية الدكتورة موضي الحمود، عدد من أبنائنا «البدون» يقبعون في البيوت محرومين من الدراسة بسبب عدم تجديد البطاقة الأمنية، صغاراً يحرمون من حقهم الإنساني في التعليم بسبب قوانين الكبار ولعب الكبار وغبن الكبار، أعيديهم سيدتي إلى صفوفهم وإلى شيء من الطبيعية في حياتهم، إن لم يكن من أجل حقوقهم الإنسانية الخالصة، فمن أجل مجتمع كويتي صحي إنساني متكامل، أرجوك أسرعي، فدروسهم تمضي وحياتهم تمضي وأحلامهم تمضي، وليس أمضى على الإنسان اليافع من مضي أحلامه، فأنقذيهم وأنقذينا وأنقذي الحد الأدنى من الإنسانية في الكويت.* بالاعتذار من المبدع عامر زهير مخرج سلسلة الأفلام الوثائقية المعنونة «عندما تكلم الشعب»