بوتين أساس مشاكل روسيا

نشر في 03-10-2010
آخر تحديث 03-10-2010 | 00:01
جلّ ما فعله بوتين أنه استفاد من إصلاحات سلفه الرئيس بوريس يلتسين في السوق، والتي لم تؤت ثمارها إلا حين تسلم بوتين زمام السلطة، فضلاً عن ارتفاع أسعار النفط. يمكن إذن تقسيم "أعجوبة بوتين الاقتصادية" الوهمية إلى جزأين، نصف النمو تحقق بفضل إصلاحات يلتسين والنصف الآخر بفضل النفط.
 بروجيكت سنديكيت  أيها الشابات الروسيات، إليكن هذه النصيحة: «من الأفضل لكنّ الاقتران بمسؤول رفيع المستوى في الدولة على أن تتزوّجن عضواً في حكومة القلة. كلاهما يتقاضيان الأجر نفسه، لكن احتمال أن يحافظ الأول على وظيفته أكبر بكثير».

تشير جميع الدراسات الإحصائية إلى أن الفساد المستشري في روسيا يتركز أكثر فأكثر في أعلى مراتب السلطة السياسية، كم يبلغ إذن عبء رئيس الوزراء فلاديمير بوتين؟ يصل معدل انحسار سوق الأسهم في روسيا مقارنة بالبرازيل إلى 45%، أي ما يعادل تقريباً تريليون دولار أميركي. ومن ثم فإن مخاطر روسيا تعادل الأعباء المترتبة من بوتين والتي تسبب فيها مجسدة في مصادرة شركة Yukos وغيرها من المصادرات، فضلاً عن تدخل بوتين في قطاع الأعمال الخاص. منذ عامين مثلاً، هبط سعر السهم في شركة Mechel إلى النصف في الأيام التي أعقبت هجوم بوتين المتهور على مالكها الرئيس.

قلّة من الأشخاص تُكبّد بلادها نفقات هائلة مثلما يفعل بوتين، لكن كثيرين يعتقدون على نحو مثير للغرابة أنه سيتولى الرئاسة من جديد في عام 2012، مع أن شعبيته، التي كسبها عبر الادعاء أن الفضل يعود له في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار، مزيّفة. لم يكن بوتين السبب في النمو الاقتصادي السنوي بمعدل سبعة في المئة من عام 1999 إلى عام 2007. جلّ ما فعله أنه استفاد من إصلاحات الرئيس بوريس يلتسين في السوق، والتي لم تؤت ثمارها إلا حين تسلم بوتين زمام السلطة، فضلاً عن ارتفاع أسعار النفط. يمكن إذن تقسيم «أعجوبة بوتين الاقتصادية» الوهمية إلى جزأين، نصف النمو تحقق بفضل إصلاحات يلتسين والنصف الآخر بفضل النفط.  

وجد بوتين نفسه أمام مائدة تعج مسبقاً بكل ما لذّ وطاب من الطعام، على نحو لافت، زادت شركات النفط المخصخصة في روسيا الإنتاج النفطي بنسبة 50 في المئة من عام 1999 إلى عام 2004 بواسطة التحديث. لكن التباطؤ الاقتصادي حلّ في عام 2004 بعد أن قاد بوتين حملةً لمصادرة شركة Yukos. فاستولت الشركات التابعة للدولة على شركات NTV، United Machine-Building Company، VSMPO-Avisma، Sibneft، بنك Guta، وغيرها. لذلك تسيطر الدولة اليوم على نصف الاقتصاد الروسي، في حين أن جميع المكاسب المحققة تنبع من الشركات الخاصة. ذلك سبب وجيه وراء تراجع اقتصاد البلاد وانحساره إلى حد لم يصل إليه أي اقتصاد آخر في مجموعة العشرين في عام 2009.

يؤدي الفساد المستشري وشركات الدولة العديمة الفعالية إلى كبح قدرة روسيا على النمو، وفي ظل غياب الإصلاحات، يتوقع كثيرون بالإجماع نمواً معتدلاً بنحو 3.5 في المئة في السنة في الأجل المتوسط، نتيجة تحسن الرأسمال البشري والاندماج الدولي.

فضلاً عن ذلك، لا يمت الاستقرار المزعوم للحقيقة بأي صلة. فالحرب الثانية الشنيعة في الشيشان، التي بدأها بوتين، لم تساهم البتة في لجم العمليات الإرهابية، في حين تزعزع الاستقرار في داغستان وإنغوشيا. وهكذا لا يعادل القمع والرقابة الاستقرار.

في هذا الإطار، يتمثل أكبر إرث خلّفه بوتين في الفساد وغياب المساءلة. تحدث مراقبون بارزون أمثال ستانيسلاف بيلكوفسكي، وبوريس نيمتسوف وفلاديمير ميلوف بالتفصيل عن كيفية تخصيص بوتين مبالغ مالية من خزينة الدولة تتراوح قيمتها بين 40 و50 مليار دولار لمنفعته الخاصة، ما يجعل منه أعظم لص في تاريخ العالم، وبما أن بوتين لم يدحض يوماً هذه الاتهامات في أي تفصيل من تفاصيلها، لابد إذن من أخذها على محمل الجد، كذلك لم يُقاضَ أو يُقَل أي من مستشاريه المقربين المتهمين باختلاس مليارات الدولارات.

لذلك لن تتقدم عجلة النمو في روسيا ما لم يبدأ قادة البلاد بمكافحة الفساد، لكن ذلك لن يحدث أبداً في عهد بوتين لأنه يُعتبر أكبر الأشخاص ترويجاً واستفادةً من الفساد في البلاد. يفسر ذلك بالتالي السبب وراء عدم تحريكه ساكناً لمكافحة الفساد. فنشوء الحكم الاستبدادي لا يشجع على الإصلاح أو التحديث، إنما يحمي كبار المسؤولين من أي محاكمة بتهمة الاختلاس.

في هذا السياق، خير مثال على انعدام الثقة بحكم بوتين حاكم كالينينغراد جورجي بوس. دفع هذا الأخير بآلاف السكان إلى التظاهر في الشوارع بعد فرضه ضريبة على النقل في حين تهرب من تلك الضريبة المفروضة على طائرته الخاصة عبر تسجيلها في جزر كايمان، لكن انتهاء ولاية بوس يمنح بعض الأمل.   

مع ذلك، لم يُكتَب على روسيا أن توصَم بالفساد المتفشي أو الاستبداد المفرط، ولا يكون معدل النمو فيها متدنياً، ويكمن الحل البديل الواضح في التحديث الذي لا يكف الرئيس ديمتري ميدفيديف عن التحدث عنه. حلّل هذا الأخير مشاكل الأمة وصاغ المبادئ المناسبة لحلها، لكن لم يتحقق شيء على أرض الواقع، إذ من الواضح أن بوتين يظل الآمر الناهي في البلاد.

تحدث ميدفيديف، في خطابه الذي كان مُقرراً في كراسنويارسك في فبراير 2008، عن برنامجه الانتخابي الذي يتركز حول أربعة مجالات: المؤسسات، والبنية التحتية، والابتكار، والاستثمار. لكن أياً من هذه لم يشهد تقدماً يُذكر حتى الساعة.  

في سياق آخر، تجعل محاكمة شركة Yukos الثانية من المؤسسات القانونية في روسيا مهزلة. فقد شهد الوزيران البارزان آنذاك، جيرمان غريف وفيكتور خريستنكو، في المحكمة بأنه من غير المستحيل أن يسرق المدير التنفيذي السابق لشركة Yukos ميخائيل خودوركوفسكي 350 مليون طن من النفط من الشركة. بطبيعة الحال، كانت سترفض أي محكمة عادية النظر في الدعوى بعد حصولها على ذلك الدليل، لكن لحين انتهاء هذه المهزلة، يصعب أخذ المحاكم الروسية على محمل الجد.

يكمن الواقع المحزن في أن روسيا لن تستطيع بناء جزء كبير من بنيتها التحتية إلا عندما تنجح الحكومة في ضبط الفساد في المؤسسات الرسمية. فعلى صعيد المشاريع العامة الضخمة المرتبطة بالبنى التحتية، تصل نسبة الرشاوى عادةً إلى 50% ويُفاد أيضاً عن رشاوى حتى 90%. ذلك من الأسباب وراء عدم زيادة الأطوال الإجمالية للطرق المعبدة منذ عام 1997... فالنظام الذي لا يستطيع بناء الطرقات لن يكون له مستقبل عظيم.

لعل روسيا تملك الرأسمال البشري والمالي فضلاً عن التكنولوجيا لتحديث اقتصاد يستند إلى الابتكارات، لكنها تفتقر إلى حرية إقامة المشاريع والتواصل فيها. في هذا الإطار، عقب أحد قادة الأعمال الروس البارزين: «لا يفيد الرأسمال البشري ذو الكفاءة إن لم تُهيأ الظروف البشرية المناسبة لبقائه في البلاد».

فضلاً عن ذلك، تبدو نسبة المدخرات الروسية مطمئنة، لكن الاستثمار يتراجع تدريجياً لأن حقوق الملكية الخاصة محدودة للغاية. يصنف البنك الدولي روسيا في المركز العشرين بعد المئة من أصل 183 بلداً بين أفضل الأماكن لإقامة المشاريع فيها، وفي المركز الثاني والثمانين بعد المئة من حيث تعاملات تراخيص البناء، ما يدل على مدى رداءة مناخها الاستثماري. مع ذلك، لم تجر أي محاولة لإلغاء عدد كبير من التنظيمات بعد 2002.  

دعونا نضف ههنا ركيزة أخرى: الاندماج الدولي، حيث يتجلى التناقض الشاسع بين ميدفيديف وبوتين. سعى ميدفيديف بعناد إلى ضم روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، وهو أمر يعمل بوتين دوماً على تخريبه، لكن روسيا لا تستطيع مواكبة ركب الحداثة من دون الاندماج الدولي.

بالنظر إلى كل ذلك، يُعتبر بوتين السبب وراء كل ما تمر به روسيا من مشاكل. فهو لا يحل هذه المشاكل، إنما يحدث المزيد منها. يتصرف كرئيس مجلس إدارة شركة «غازبروم» أكثر منه كرئيس للبلاد، علماً أن «غازبروم» عادةً من أقل الشركات جدارةً بالثقة. على ما يبدو، يستمد بوتين شعبيته فحسب من المهام البطولية الشبيهة بمهام رامبو، لكن من قد يرغب في رامبو رئيساً؟ التخلّف النسبي إذن هو أقصى ثمن تدفعه البلاد بسبب إدارة بوتين لها... مع ذلك، تستطيع روسيا تحسين أدائها.

* أندرس آسلوند | Anders Åslund

back to top