خادش للحياء وممنوع

نشر في 26-09-2010
آخر تحديث 26-09-2010 | 00:01
 آدم يوسف يبدو أن وتيرة معرض الكويت للكتاب لهذه السنة تتجه متسارعة نحو التوتر والتفاعل الجاد، ففي حين لم يبق سوى 17 يوماً على انطلاق فعاليات المعرض تداولت بعض وسائل الإعلام أنباء عن منع كتب ثقافية مهمة لكتاب مصريين يتجاوز عددهم 35 كاتباً، الأمر الذي أثار حفيظة وسائل الإعلام المصرية وأبدت دهشتها وتعجبها من خبر المنع الذي يُعد صادماً بكل المقاييس.

المدهش في الأمر أن مصادر الرقابة في وزارة الإعلام تحاول تبرير ما حدث بأن المسموح به من الكتب كثير، وأنه لم يمنع سوى القليل من مؤلفات هؤلاء المبدعين الذين منعت كتبهم. وبالطبع ذلك تضليل وليس تبريراً، ولنفترض أنه لم يمنع سوى كتاب واحد لكل أديب في هذه الحالة يفقد المعرض 35 كتاباً لمبدعين مصريين، ونستطيع الجزم بأن بعض هؤلاء المؤلفين منعت لهم أربعة أو حتى عشرة كتب، وبحسبة بسيطة نصل إلى أن عدد الكتب الممنوعة يتجاوز 60 أو 90 كتاباً، فقط لمبدعين مصريين، فضلا عن الأدباء والمفكرين الآخرين من سورية ولبنان، والمغرب العربي الذين أصبحت كتبهم لازمة ممنوعة ترافق كل سنة من سنوات المعرض. إذن فالممنوع من الكتب كثير وكثير جداً وليس قليلاً، ولا ننسى أن هذا المنع تراكمي، ففي كل سنة تمنع كتب جديدة، ولا يغامر الناشر بإحضار كتاب منع في السنة السابقة.

وإذا سلمنا جدلاً بأن الكتب الممنوعة هي ما يمس الذات الإلهية أو تثير الفتنة والنعرات الطائفية، أو تمس رموز البلد وقادته، فإنه ليس في كتب المبدعين أو المثقفين التي تُصادر في كل سنة ما يمس ذلك أو يقترب منه. بل هي روايات ودواوين شعر وكتب نقدية، فأين هي وهذه المحظورات التي تتخذ ذريعة للتعسف والمصادرة. الغريب أن من مبررات المنع ألا يكون الكتاب «خادشاً للحياء»، ولم نستطع استيعاب هذه العبارة، وإلى أي درجة يكون هذا الخدش، وأي جانب من الحياء يمس (الأيسر أم الأيمن)، ومن الذي يحق له تحديد ملامح هذا الحياء ودرجة طوله وعرضه؟!

إن هذه المفاهيم في الرقابة عفا عليها الزمن، ومن غير المعقول أن تتحكم شريحة واحدة في المجتمع في كل الشرائح والفئات الأخرى، وليست هذه الطريقة المثلى للمحافظة على النشء من الانحراف. إطلاقاً لم يكن الكتاب يوماً سبباً للانحراف، بل إن الذين يضعون معايير الرقابة ويتشددون بها هم غائبون عن أسباب أخرى للانفتاح وتشويه الذهن. نسي هؤلاء أننا في زمن الفضاء المفتوح و»البلاك بيري»، بل إن بعضهم قد يجهز غرفة أبنائه بكل وسائل التكنولوجيا الحديثة دون رقابة أو حساب، (وذلك شأن خاص به)، ولكنه قد يتعسف في منع كتاب لا يقرأه سوى الراشدين بدعوى أنه (يخدش الحياء).

تسيء الرقابة في صورتها الحالية كثيراً إلى سمعة الكويت، ويقع ضررها أولاً على الباحثين والمفكرين وطلبة الجامعات، وليس من هؤلاء أحد يُخشى عليه من خدش الحياء ثم تنسحب على باقي شرائح المجتمع.

ولابد أن تكون للمثقفين وجمعيات النفع العام وقفة صادقة تجاه هذا المنع. وكذلك يمكن لنواب مجلس الأمة تحريك الوسائل الدستورية للوقوف في وجه هذا المنع الذي يتكرر كل سنة، مما يفقد معرض الكتاب كثيراً من قيمته ومكانته العربية.

back to top