دستور بلا دولة... وغضب الرومي
دستور... إلا الدستور... تنقيح الدستور... تفريغ الدستور... طعج الدستور... تطويع الدستور... تدريس الدستور... الكويت هي أكثر بقعة في العالم تتردد فيها كلمة الدستور... ولكن عن أي دستور يتكلمون؟
كل له من الدستور ما يخصه، مما يخدم فكره ومصالحه دون أن يلتفت إلى سواه من مواده، كل يريد أن يطوعه لأهدافه وغاياته دون أن يطبق كل مضامينه، كل يريد جميع حقوقه الدستورية ولكن له وجهة نظر في واجباته تجاه الوطن.الإسلاميون يريدون أن يأخذوا منه الحقوق في المشاركة في الحكم، ولكنهم يريدون دولة «مكس» من النصوص الدستورية المنتقاة والفتاوى الشرعية الدينية حتى يصلوا تدريجياً إلى الدولة الدينية الكاملة بغطاء دستوري مفرغ من محتواه، تصبح فيه حرية المعتقد وبقية الحريات ديكوراً نصياً بلا تطبيق، والنشيد الوطني فعل كفر بواح!الطائفيون والقبليون يريدون من الدستور استخدام نصوصه للحصول على حصصهم في الدولة من المناصب والنفوذ التي تزداد كلما ازدادوا عدداً وحسنوا تنظيم أنفسهم على أسس مذهبية وعرقية تجعل الدولة تهابهم وتحسب لهم ألف حساب في معادلة الحفاظ على السلم الأهلي والنظام، فتمنحهم ما يطلبون.رجال المال والأعمال والليبراليون الكويتيون الجدد يريدون منه النصوص التي تحفظ لهم أصولهم وممتلكاتهم، وتشركهم في ثروة البلد الهائلة ليتمكنوا من الحصول على أكبر نصيب منها، والحفاظ على مواقعهم المتقدمة في الدولة، ولكنهم يصابون بحساسية مفرطة من النصوص الدستورية التي تتحدث عن تسديد التزاماتهم للبلد والعدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات العامة المناسبة والجيدة للمواطنين.السلطة تريد النصوص التي تضمن الحكم ونظام الإمارة في النصوص الدستورية، ولكن تداعبها أفكار امتيازات وهيبة النظم شبه العشائرية السائد في المنطقة. السياسيون يريدون من الدستور مادة لتجييش المناصرين وزيادة المؤيدين لحفظ المناصب والكراسي في البرلمان، ولا مانع لديهم من التحالف مع أعداء فكرة وروح الدستور مادام لديهم قدرات على حشد الناس في الشارع، ليفزعوا النظام ويساوموه.ولذلك فإن أزمتنا ستستمر حتى يؤمن ويطبق جميع الفرقاء في البلد كل نصوص الدستور دون تجزئة أو طعج وتطويع لخدمتهم الذاتية.***حسب معرفتي فإن الدستور هو وسيلة لا غاية، لتنظيم الدولة التي تكفل رعاية شعبها وتوفير الأمن لهم، وفقاً للنهج الذي تختاره الأمة لإدارة شؤونها، ولذلك فإن الدستور دون وجود الدولة بسلطاتها القانونية الجابرة أو تغيبها يصبح نصوصاً بلا فائدة، ولا يمكن لأحد أن يطبقه لحماية حقوق المجتمع والناس، وما يحدث في الكويت من ضرب للمؤسسة الأمنية عبر التعريض بأفرادها والتحريض ضد بعض قياداتها عبر نشر أسمائهم لمشاركتهم في تأدية مهامهم من نواب وسياسيين أمر بالغ الخطورة، لم تستوعبه الحكومة وتتعامل معه بالجدية المطلوبة... والمؤسف أن يشارك رئيس لجنة الشؤون الداخلية والدفاع البرلمانية النائب شعيب المويزري في هذا السلوك، ويذكر أسماء ضباط في إحدى القنوات الفضائية شاركوا في مهام وظيفية في أحداث الصباحية والصليبيخات، بصيغة ملتبسة قد يفهم منها التحريض عليهم لدى العامة.***لم يخيب النائب عبدالله الرومي ظني ورجاء أغلبية ناخبيه فيه في جلسة التصويت على طلب عدم التعاون، فهذا النائب والسياسي المخضرم الذي خبر الحياة النيابية، وأتى من بيئة تمثل عمق واقع الكويت، لم يكن معقولاً ومفهوماً أن يستمر في التيار الذي توجهت إليه كتلته والذي حافه الكثير من الخفة والتهور أحياناً بسبب قلة الخبرة والتمرس السياسي لدى أعضائها، والمتوافر لدى «بويوسف» والذي كان يجب أن يُرشد قرارها ويُوقف اندفاع شبابها، مهما كان كم الغضب والحنق لديه على الحكومة.