يبدي المتابعون لتطورات المواجهات السياسية والإعلامية في لبنان اعتقادهم أن الثغرة التي سمحت لحزب الله وحلفائه في قوى "8 آذار" بتحقيق بعض النقاط على رئيس الحكومة سعد الحريري وحلفائه في قوى "14 آذار"، تكمن في الأسس التي ارتكز عليها ما بات يُعرف بالتفاهم السوري-السعودي في شأن إدارة الوضع اللبناني.

Ad

ويوضح هؤلاء أن ما تسعى إليه المملكة العربية السعودية من فصل بين سورية وإيران، أعطى عملياً على أرض الواقع مفاعيل عكسية لما تسعى إليه المملكة على الساحة اللبنانية من تهدئة تعزز منطق الدولة الذي يمثله الحريري وحلفاؤه في مواجهة منطق "المقاومة" الذي يمثله "حزب الله" وحلفاؤه، ذلك أن دمشق التي تسعى الى استعادة ما فقدته من حضور ونفوذ في لبنان منذ انسحاب جيشها في عام 2005، تظهر من خلال لعبة توزيع الأدوار التي يتولاها حلفاؤها على الساحة اللبنانية أنها تحترم تعهداتها للمملكة، خصوصا من خلال مواقف حلفائها التاريخيين وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيه، بينما التصعيد يتولاه حلفاؤها الآخرون المعروفون بعلاقاتهم الوطيدة مع إيران وفي مقدمهم "حزب الله"، مع ما يعنيه ذلك من رمي مسؤولية التصعيد في لبنان على عاتق طهران من دون أن يؤخذ على دمشق عدم تدخلها لضبضبة الوضع السياسي على خلفية عدم قدرتها على "تشليح" إيران أوراقها اللبنانية، في ظل ما هو مطلوب من سورية من فك للارتباط الاستراتيجي مع إيران.

في المقابل، فإن رئيس الحكومة سعد الحريري وحلفاءه في قوى "14 آذار" يبدون غير قادرين على توزيع الأدوار في ما بينهم بين مصعِّد ومهدِّئ، لإقامة شيء من توازن الرعب مع حزب الله وقوى "8 آذار"، لأن المظلة السياسية التي ترعى هذه القوى محصورة بمرجعية واحدة تتمثل في المملكة العربية السعودية، وهو ما يعني أن أيَّ تمايز في المواقف بين الحريري وحلفائه يدفع سورية الى شكوى رئيس الحكومة للرياض بحجة عدم احترامه متطلبات التفاهم السوري-السعودي.

من هنا يجد رئيس الحكومة وحلفاؤه أنفسهم أمام واحد من خيارين:

1- مواجهة موحدة مع المملكة العربية السعودية في حال الخروج عن متطلبات التفاهم مع سورية، تحت طائلة فقدان لبنان الغطاء السياسي الإقليمي الوحيد المتبقي الذي تؤمنه المظلة السعودية.

2- تمايز بين الحريري وتيار المستقبل من جهة، وحلفائه خصوصا على الساحة المسيحية من جهة مقابلة، على غرار ما هو قائم بين قوى "8 آذار"، وهو ما يدفع سورية الى مطالبة المملكة بالضغط على الحريري لفك ارتباطه بحلفائه في "14 آذار" بحجة عدم امتثالهم لمتطلبات الاتفاق السوري-السعودي في شأن لبنان، مما يفقد رئيس الحكومة وحلفاءه الامتداد الحيوي السياسي الذي لايزال يسمح لهم بالحد الأدنى من مقومات المواجهة مع "حزب الله" المدعوم داخليا من قوى "8 آذار" وإقليميا من سورية وإيران.

ويرى المراقبون في ضوء هذا الواقع، أن رئيس الحكومة سعد الحريري وحلفاءه المحليين في قوى "14 آذار" مضطرون في حال قرروا المضي في المواجهة أن يقنعوا المملكة العربية السعودية بتبني معادلة تنفيذية جديدة لوضع التفاهم السوري-السعودي موضع التطبيق المتوازن، وقوامها:

1- موقف الرئيس سعد الحريري في مقابل موقف القيادة السورية.

2- موقف حلفاء الحريري في مقابل موقف حلفاء سورية وحلفاء إيران المتحالفة مع سورية.

فالتزام الحريري التهدئة يكون في موازاة التزام القيادة السورية، والتزام قوى "14 آذار" في موازاة التزام قوى "8 آذار"، أما بقاء الأمور على ما هي عليه فيعطي الأرجحية في المواجهة لسورية وحلفائها، على نحو ستجد معه المملكة العربية السعودية نفسها في وقت قريب في موقع لا يُحسَد عليه.