أمس نشرت «الجريدة» تقريراً عن الأذان الآلي في مصر، إذ تستعد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لإيصال صوت الأذان إلى الأحياء في المحافظات المختلفة، عبر إرسال مباشر من محطة مركزية، وتحدث التقرير عن مخاوف عشرات الآلاف من المؤذنين في مصر من تحول مهنتهم الشهيرة إلى مجرد تراث.

Ad

بدأت مشكلة المؤذن مع التقنية منذ وصول الميكروفونات قبل عقود عدة، فقد عارض الكثيرون من المؤذنين القدامى هذه الحنجرة المعدنية العملاقة التي جاءت من بلاد الكفار، بعضهم قاطعها حتى وفاته، وربما تحدث طويلاً مع المصلين عن جواز الأذان بهذه الطريقة.

كانت جميع الإضافات التقنية على مبنى المسجد، مثل الإضاءة والمراوح والتكييف، مريحة للمؤذن، ولكن الميكروفون الذي جاء فيما بعد ضمن صناديق التكنولوجيا شكل تحدياً قاسياً لطبيعة عمله، لقد غيرت قوة الصوت الجبارة التي انبعثت من الميكروفون موازين القوى بين المؤذنين، اندثرت أسماء لامعة ولمعت أسماء جديدة, وتواصل الصراع بين الحنجرة البشرية والحنجرة المعدنية حتى غرق الأذان في بحر من الفوضى الصوتية، وأصبح شريكاً في ضجيج المدنية بعد أن كان علامة تدل على سكينتها.

في الواقع لم يكن ثمة خيار لتفادي الميكروفون، إذ لم يعد بإمكان صوت المؤذن الوصول إلى أبعد بيت في المدينة، كما كان يحدث في الماضي، فقد غرقت المدينة الحديثة في الضوضاء وأصبحت كل الأصوات فيها معالجة تكنولوجيا، وهكذا جاء الميكروفون من مبدأ «لا يفل الحديد...» وليفرض صوت المؤذن على المدينة حين يحل وقت الأذان، اعتقد المؤذن أنه امتلك السلاح الذي يمزق به الضجيج ويستعيد من خلاله منطقته الصوتية المستباحة.

نعم... تعامل المؤذن مع الميكروفون كسلاح ذخيرته الصوت, فأصبح يرفع درجة الصوت في الجهاز كلما استشعر وجود ضجيج سيارات أو تلفزيونات قد يحجب صوته عن الناس، ثم تطورت حروبه فأصبح يرفع درجة الصوت كي يصد بعض المؤذنين المجاورين الذين اخترقوا حيه صوتياً، وأصبح مضطراً إلى مباغتتهم بالهجمات المرتدة، ولم يكن يتخيل أن أسلحة التكنولوجيا ليست ذات حدين فقط بل ذات ألف حد وحد!

فالتكنولوجيا تحضر دائماً على شكل موجات متتابعة، إذ يتم التركيز في الموجة الأولى على حل مشكلة ما، ثم تأتي موجات لاحقة تركز على حل المشاكل التي نشأت بسبب الحل التكنولوجي السابق، فبعد أن فشلت كل القواعد والتعليمات والتعاميم في ضبط علاقة المؤذن بالميكروفون، وحل الإزعاج بديلاً عن الروحانية, تمت الاستعانة بمؤذن واحد فقط، حسن الصوت، لا يستطيع أن يخالف التعليمات، يؤذن في استديو صوتي مركزي، ويصل صوته إلى كل المدن والمحافظات في الوقت المحدد، فتقل الكلفة ويتحقق بشكل مثالي!

في التقرير الذي نشرته «الجريدة» لم يجد مؤذن يشعر بالقلق على وظيفته ما يمكن أن يقوله في مواجهة هذه الهجمة المباغتة سوى تأكيد أن نظام الإرسال يمكن أن يصاب بالعطل!

* كاتب سعودي