أشعر ومعي مجموعة من المهتمين بالشأن الثقافي في الكويت، أن روحاً من الهدوء الأقرب إلى الصمت والإحباط تخيّم على عموم الساحة الثقافية، وأن شيئاً من شكوى دائمة باتت حاضرة في جلسات الشباب الكويتيين المبدعين والمثقفين. ولأنه أصبح للنشاط الثقافي موسم، وهذا ما يجب ألا يحصل، ومع بداية موسم جديد فإنني أطرح على بساط النقاش مجموعة من الأفكار، قد تكون منطلقاً لأفكار أخرى، وربما تكون محركاً لبحيرة الحالة الثقافية الساكنة.
أولاً: بات واضحاً أن بوناً شاسعاً يفصل بين مختلف الأجيال المبدعة في الكويت، سواء على مستوى الشعر أو القصة القصيرة أو الرواية، مما يستلزم وقفة جادة لتجسير الهوة بين مختلف الأجيال في الكويت. فصحيح أن هناك وصلاً وتقديراً بين البعض من الأساتذة وبعض الشباب الناشئين، لكني أعني هنا وصلاً أعم وأكبر، وصلاً إنسانياً حقيقياً ملموساً ومدروساً ومتواصلاً، فيه قراءة وتقدير موضوعيين لنتاج الأجيال السابقة، وفيه فحص صادق وغير مجامل لنتاج الأجيال الحالية، وفيه قبل هذا وذاك علاقة إنسانية صحية ومتفاعلة بين مختلف الأجيال، تقوم على الاحترام، ويكون للقاء والنقاش والحوار مكان بارز فيها. وأظن أن المؤسسة الثقافية الرسمية (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب) وكذلك المؤسسة الأهلية (رابطة الأدباء) قادران على تبني مؤتمر عام أو ندوة موسعة بمحاور واضحة، يلتمّ من حولها جميع أدباء الكويت، بغية الخروج من هذا الوضع المؤلم، والاتفاق على ما يمكن أن يكون ميثاق عمل، لتأمين علاقة تكفل وصل قديمهم بجديدهم، وتكفل من جهة أخرى، المبادرة إلى خلق تيار ثقافي حقيقي، يعيد إلى وجه الثقافة الكويتية الجميل جزءاً من بهائه وروعة حضوره الخليجي والعربي. ثانياً: يبدو جلياً حماس واندفاع الجيل الناشئ لنشر نتاجه الإبداعي، لكن الملاحظ أن جل هذا النتاج في حاجة إلى مراجعة صادقة وموضوعية، تجنب الكاتب الناشئ عثرات وكبوات النتاج الأول، وتوفر عليه خسائر مالية لا داعي لها، خصوصاً أن سوق النشر في الكويت وعموم العالم العربي، هو سوق شره لا يرى إلا الربح السريع. ثالثاً: بات ملحاً خلق فرصة لقاء مبرمج (نصف شهري أو شهري) لأبناء الجنس الأدبي الواحد، إذ يتم كشط وإزالة ما تراكم من جفوة وبرود في العلاقة الإنسانية، مثلما يتم النقاش في النتاجات الجديدة، وكذلك التعرف على النتاج العربي والعالمي الجديد، وهذا في مجمله يحتاج إلى مكان عام ينعقد بين جنباته مثل هذا اللقاء، وأرى أن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بحكم توزع مراكزه الثقافية، قادر على تأمين أمكنة اللقاء، وجعلها مزاراً للمبدعين والمثقفين، خصوصاً أننا نتكلم عن لقاء نصف أسبوعي أو شهري. وبالتأكيد فإن ذلك سيقدم حضوراً ثقافياً فاعلاً لمراكز المجلس الوطني. رابعاً: عطفاً على ما جاء في النقطة السابقة، يجب وضع تصور لما يمكن أن يكون عليه جو وسوية اللقاء الثقافي، ويمكن أن يسند إلى شخص أو أشخاص أو هيئة ترتيب برنامج ومسار اللقاء، وتنظيم سويته، بحيث لا يبدو كلقاء تعارف وكلمات ترحيب، بقدر ما يكون لقاء وصل ثقافي حقيقي. خامساً: إن بروز شاعر أو قصاص أو روائي يتطلب بالضرورة موهبة حقيقية، واطلاعاً موسعاً على النتاج الإبداعي في الجنس الأدبي، مثلما يتطلب من جهة أخرى احتضان ورعاية لهذه الموهبة، وتشجيعها ومتابعة نتاجها، وهذا لا يتأتى إلا بنكران ذات كبير من الأجيال السابقة، وإيمان حقيقي بموهبة الجيل الناشئ، والوقوف إلى جانبه وتوفير الفرص المدروسة أمامه لكي يثبت نفسه، ويحقق ذاته إبداعياً وإنسانياً. إن التقوقع على الذات واجترار الذكريات والأحاديث المكررة في الجلسات الأدبية العامة والخاصة، لا يقدم شيئاً حقيقياً إلى الساحة الثقافية، ووحدها المبادرة بعمل مدروس بعيد عن الشللية قادرة على الخروج من بحيرة الصمت الساكنة.
توابل - ثقافات
بحيرة الصمت الساكنة!
21-09-2010