هدى الشوا جسرٌ بين التراث والناشئة
في زمن ثورة المعلومات والاتصال، والقنوات الفضائية، وملاحقة الحدث والخبر ساعة بساعة، بات شأناً يومياً عقد مقارنة ظالمة بين ممارسة بعض المسلمين المتعصبين، أينما كانوا، وبين روح الإسلام السمحة. ولقد انعكس ذلك على صورة العربي والمسلم لدى الآخر الأجنبي، وكان أحد أهم الأضرار المترتبة على ذلك، انصراف مجاميع كبيرة عربية وأجنبية عن كنوز التراث الإسلامي العربي، التي تعد بحق كنوز إبداعية إنسانية، إن على مستوى شكلها الفني وموسيقى لغتها، أو على مستوى مضمونها الإنساني وانفتاحها على عوالم من الفكر والمتعة. إن المتأمل للمشهد الثقافي الإنساني الراهن، يرى بوضوح كيف أن شعوبا كثيرة استطاعت أن تجد لقصصها وأساطيرها الشعبية، حضوراً آسراً لدى الناشئة من أبنائها، مما كرس بقاء هذه القصص والأساطير حية بلغتها ومضامينها، وجعل منها مادة لربط الأجيال بعضها ببعض. لكن، من المؤسف، أن تعجز الثقافة العربية، وبالرغم من غناها الفاحش بالقصص والأساطير والتراث الفكري والأدبي والفني، عن إعادة انتاج هذا التراث بصيغة عصرية، تلائم روح ونبض اللحظة الراهنة، وتقدم زاداً معرفياً لأبناء الأمة العربية الناشئة، يربط بين عوالمهم في لحظتهم الحالية، وبين كنوز التراث العربي في المعرفة والإبداع. لقد انتشرت فكرة بائسة وظالمة، تنادي بخلو التراث العربي من أي مساهمة فاعلة في التراث الإنساني الفكري والفلسفي والإبداعي والفني، ويمكن ردّ ذلك إلى الصورة التي درج المستشرقون على نقلها وتكريسها عن العرب والمسلمين، وكذلك ابتعاد العرب والمسلمين عن كنوز تراثهم الإبداعية، واشتغال الترجمة العربية على جهة واحدة تتمثل في ترجمة الأجنبي إلى العربية، دون وضع خطة مدروسة لترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية الحية. إن البحث عن أسماء عربية مبدعة تخصصت في الكتابة لعالم أدب الطفل، يقودنا إلى حسرة كبيرة، فقلة قليلة جداً، أولئك الكتّاب الذين نذروا كتاباتهم لمخاطبة مخيلة الطفل العربي، بلغة وصورة عصريتين، وقلة قليلة منهم، اشتغلت بصياغة كنوز التراث العربي، لتقديمها بحلة تتناسب وعقلية طفل القرن الواحد والعشرين. هدى الشوا القدومي، الكاتبة الكويتية، اتخذت لنفسها درباً مميزاً ببحثها الدؤوب في كنوز التراث العربي، وإعادة صياغة بعض قصص التراث بحلة جديدة، كما جاء في كتابها «رحلة الطيور إلى جبل قاف» الصادر عن دار الساقي 2006، والذي حاز جائزة الشيخ زايد للكتاب، فرغ أدب الأطفال، وها هي تواصل المسيرة الصعبة في كتابها «دعوى الحيوان ضد الإنسان عند ملك الجان»، الصادر عن دار الساقي بالاشتراك مع معهد الدراسات الإسماعيلية، 2010. استند الكتاب الجديد لهدى الشوا، إلى كتابات «إخوان الصفاء وخلان الوفاء» الذين «عاشوا في عصر الدولة العباسية في القرن العاشر الميلادي»، وخطّوا رسالتهم الطويلة عن حكاية الحيوانات التي رفعت دعوى قضائية ضد الإنسان». ولقد جاء كتاب هدى مخاطباً القارئ بأفكار ومضامين إنسانية سامية، وبلغة عربية مصفاة ومحلاة بعلامات الترقيم والتشكيل، وقريبة إلى فهم وإدراك الناشئة. إضافة إلى وجود رسومات الفنان التشكيلي السوداني حسن موسى، مما وفّر للحكاية الرمزية أجواء من التشويق، وبعث بين جوانبها متعة خاصة. يُحسب لهدى الشوا، وهي المطلعة على الآداب الأجنبية، إصرارها على الحفر في كنوز التراث العربي الإسلامي وتقديمها بحلة جديدة آسرة، ويحسب لها تحميل كتبها مضامين إنسانية، ويحسب لها بتقدير كبير سيرها في الدرب الوعر في مخاطبة الناشئة العربية، وتعريفها بتراثها على أجمل صورة. «دعوى الحيوان ضد الإنسان عند ملك الجان» جهد إبداعي لافت، وهدية جميلة من هدى الشوا الى المكتبة العربية.
توابل - ثقافات
دعوى الحيوان ضد الإنسان
18-01-2011