المرأة والماعز والذئب
ملف المرأة في السعودية يكاد يكون مثل زر نووي، الكل يتعامل معه بحذر وغموض أو بالأحرى بعدم شفافية، لهذا فإن قراءته من الخارج تبدو معقدة، لكنها عادة لا تتجاوز السؤال الفلسفي الشهير عن البيضة والدجاجة الذي ليس له جواب واحد، وسؤال عن ملف المرأة الفلسفي هو: من المتقدم على الآخر حقوق المرأة أم جاهزية المجتمع؟
المحللون لأسباب منع مشاركة المرأة في الحياة العامة في السعودية يظهرون شيئاً من الطرافة، لكن الطرافة زادت على حدها في قضية انتخابات المجالس البلدية التي ستنطلق الشهر الجاري، فقد حسمت وزارة الشؤون البلدية والقروية أمرها في موضوع مشاركة المرأة المعلق للمرة الثانية إذ قالت: «لا». وعلق أحد الأعضاء في المجلس البلدي على أسباب المنع قائلا: «كيف تشترك المرأة في الانتخابات البلدية وتصبح عضوا في المجلس البلدي وهي لا تقود سيارة؟ هل يمكن أن تحضر إلى المجلس البلدي مع سائق؟ ما يصير»، وقد ذكرني هذا التعليق بتعليق لأحد أعضاء مجلس الشورى الذي شرح أسباب عدم تمثيل المرأة في مجلس الشورى قائلا: «إذا اتصل أحد بعضو مجلس الشورى في البيت يرد عليه الأهل بأنه في المستشفى يلد!». بمثل هذه الجمل الطريفة يُبَرر واقع حقوق المرأة في السعودية، والواقع أنها جمل طريفة إن أخذناها في حساب سوالف مجلس، وليس واقع رؤية واستراتيجية لمشروع تنموي، وطبيعة شرائع وحقوق إنسان جار عليه الزمان فوجد نفسه أنثى في مجتمعات ترى أن الذكورة هي الميزة الوحيدة والأولى المتقدمة على البشر. ونعود إلى جاهزية المجتمع المتقدم على حقوق المرأة في السعودية، والتي يجب أن ننتظر من أجلها كثيراً، وكثيراً جداً، فكل شيء مرهون بهذه الجاهزية، قيادة المرأة للسيارة، وحصولها على بطاقة مدنية، وعملها في مجالات مثل المحاماة والهندسة ومجالات البيع، وحصولها على مدونة أحوال شخصية... إلخ. لكن في المقابل فإن هذه الجاهزية هي جاهزية سلبية، بمعنى أنه ليس هناك أي مشروع تقوم به الدولة ترخص من خلاله لمؤسسات المجتمع المدني بالبدء في تحديث فهم المجتمع وتطوير خطابه ليولد داخله جيل جديد يؤمن بأهمية هذه الحقوق، فالخطاب الديني لايزال يعاند هذه الحقوق من فوق منابر المساجد، بينما حريات التعبير والتثقيف محجوبة، فمن أين تأتي هذه الجاهزية؟ وهل هي مطر سيسقط من السماء؟ ملف المرأة في السعودية أصبح شائكا ومعقدا ويحتاج إلى حل مثل الألغاز، وهو أقرب إلى لغز يقول كيف تنقل ماعزاً وذئباً وحزمة عشب بقارب صغير إلى الضفة الأخرى من النهر دون أن يأكل الذئب الماعز أو تأكل الماعز العشب؟ فهل تستطيع أن تحل هذا الغز؟ أقصد لغز المرأة، وليس لغز الذئب والماعز؟