نشرت الصحف قبل أسابيع خبراً يفيد بأن السعودية أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، ستخزِّن 3.8 ملايين برميل في اليابان خلال العام المقبل... وهنا تُطرَح تساؤلات مهمّة: هل بإمكان الكويت تخزين النفط في الخارج؟ ما الأسباب؟ هل تم تخزينة في الماضي؟ وأين؟

Ad

قال الخبير والمتخصص في تسويق وتكرير النفط الخام عبدالحميد العوضي، إن ثمة أسبابا كثيرة تدعو الشركات النفطية الوطنية إلى تخزين جزء صغير من انتاجها خارج دولها، من بينها أسباب استراتيجية وأخرى تجارية تسويقية، مشيرا الى ان مؤسسة البترول الكويتية قامت بهذا النشاط في الماضي، إذ تم تخزين كميات بسيطة من النفط الخام الكويتي عام 1995.

وأضاف العوضي ان الكويت خزّنت جزءا من نفطها في جزر البهاما بالبحر الكاريبي لتكون قريبة من اسواق الولايات المتحدة الاميركية، وانتهاز الفرص عند ارتفاع اسعار النفط، بحيث تتم تغطية تكاليف نقل النفط وتكاليف التخزين والتكاليف المالية والادارية مع تحقيق هامش ربحي، لتوفير النفط الخام للعملاء خلال فترة زمنية قصيرة لا تزيد على اسبوع بدلاً من ثلاثة اسابيع، والتفوق على المنافسين بالقرب من المناطق الاستهلاكية.

وأوضح ان المؤسسة خزّنت النفط الخام في كوريا الجنوبية عام 2007، بهدف تأمين امدادات مستمرة للعميل لتفادي الظروف السياسية المتوترة في منطقة الخليج العربي، والتهديدات بإغلاق مضيق هرمز.

تجارب مماثلة

وأكد أن الكويت ليست الدولة الوحيدة ضمن مجموعة دول الـ"أوبك" التي قامت بهذا النشاط، فهناك اكبر دولة مصدرة للنفط الخام وهي السعودية، خزّنت في كوريا الجنوبية من دون تحميلها تكاليف تخزين وكذلك في اليابان أخيراً، ودولة الامارات العربية عضو في الـ"أوبك" تتبع نفس النشاط وأيضا خزّنت نفطها في اليابان، وايران كذلك خزّنت نفطها فترات في مصر على البحر الابيض المتوسط، كما قامت باستعمال 15 سفينة عملاقة ومتوسطة الحجم لتخزين 35 مليون برميل من نفطها للطوارئ.

وذكر ان الكميات المستخدمة للتخزين سواء لأهداف استراتيجية أو تسويقية تبقى دائما ضمن الحصص المقررة من الانتاج لكل دولة، ولا يوجد ما يمنع قانونا تخزين النفط الخام في الخارج مادام الهدف تصريف النفط الخام لتحقيق افضل العوائد المادية للدولة، مشيرا الى أ، تجربة الكويت الاخيرة في كوريا عام 2007 لم تكن ناجحة بسبب التسرع وعدم قراءة الظروف المتعلقة بالعقود الآجلة (Futures Differencial).

وأوضح العوضي ان الدول المستهلكة الكبرى للنفط الخام تخزّن النفط لاسباب استراتيجية وتجارية وحالات الطوارئ، مثل الولايات المتحدة الاميركية اكبر مستهلك للنفط، وبعد حرب أكتوبر عام 1973 عند حظر الدول العربية تصدير النفط للغرب، كوّنت مخزونا استراتيجيا للطوارئ لمواجهة تقلبات الاسعار، إذ سعت إلى بناء مخزون نفطي يصل الى 800 مليون برميل في ولايتي لويزيانا وتكساس لتخزين نوعين من النفوط تحت سطح الارض وعلى اعماق كبيرة، ولا يمكن التصرف بأي برميل إلا بأمر مباشر من قِبَل الرئيس الأميركي.

وأشار الى ان هذا النفط المخزن تم استخدامه في حرب تحرير الكويت وحرب تحرير العراق، لمواجهة ارتفاع اسعار النفط وكذلك في حالة اعصار كاترينا وارتفاع اسعار النفط في عام 2008 عندما وصلت الى ارقام غير مسبوقة تعدت 147 دولاراً للبرميل، والصين ثاني اكبر مستهلك للنفط تبني مخزونها الاستراتيجي الذي يصل الى 400 مليون برميل، بالاضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية اللتين تسعيان إلى رفع المخزون الاستراتيجي من النفط، والذي عادة يغطي احتياجات الدولة مدة 75 يوماً.

دواعٍ سياسية واستراتيجية

من جانبه، قال الخبير النفطي محمد الشطي إن تخزين النفط الخام ليس أمرا جديدا على صناعة النفط وتسويقه، إذ تقوم به شركات نفطية ودول منتجه كثيرة ولأسباب عديدة قد تكون استراتيجية أو تجارية مثل السعودية والإمارات، وكذلك لدواعٍ سياسية مثل إيران، مضيفا ان هناك اتفاقات أخرى بين كوريا الجنوبية وشركات نفط أجنبية منها ستات أويل النرويجية وسوناطراك الحكومية الجزائرية وتوتال الفرنسية، كما ان تناقلت أنباء أن قطر كانت تبحث في تخزين النفط في اندونيسيا، مؤكدا ان المهم في كل هذا وضوح الهدف وشروط العقد المبرم التي تعكس حالة السوق.

وعن الاسباب والظروف التي تشجع على التخزين، قال الشطي ان البلدان المنتجة تقيّم كل الفرص في السوق وتختار من الاستراتيجيات ما يتماشى مع دعم عملياتها بصورة تجارية وفق الاستراتيجية العامة للمؤسسة، موضحا أن التحرك في اتجاه تعزيز طاقة تخزين الخام في خزانات برية أو ناقلات يأتي في اطار استراتيجية تعزيز المركز التجاري مع الزبائن في الأسواق، وتأكيد الوجود في الأسواق الواعدة، وتأمين النفط في حال نقص المعروض العالمي وتوسيع الصادرات النفطية إلى تلك الاسواق.

وأضاف أنه يمكن استخدام طاقة التخزين لدعم المبيعات لتكون مركزا رئيسا للتوزيع، وهذه وسيلة أخرى للدخول إلى الاسواق التي تتطلب مثل هذه الاستراتيجيات، إذ بالإمكان استغلال ناقلات أصغر في نقل النفط إلى مصافي تكرير أصغر في تلك الاسواق، كما يسهل التخزين تجزئة شحنات كبرى إلى شحنات أقل يمكن أن تلبي بسهولة الطلب بأحجامه المختلفة، وييّسر إيصال النفط إلى مصافي تكرير ساحلية أصغر.

التوتّرات الدولية

وأوضح الشطي أن تصاعد التوترات الدولية يمكن ان يمثل دافعا لدراسة خطط زيادة المخزونات من النفط في الخارج، والتي تعد خططاً وقائية لضمان استمرار إمدادات النفط إذا أغلقت الطريق للتصدير، مشيرا الى ان الإمدادات الجديدة من روسيا قد تدفع السوق الآسيوي مثل نفط ايسبو إلى الإسراع بخطى تخزين النفوط الخليجية في آسيا، لحماية حصص تلك البلدان في السوق الآسيوي، ويمكن ان تكون خطط بناء مصافٍ جديدة دافعاً لإقامة مستودعات تخزين في الاسواق.

وقال ان مستودعات تخزين النفط تشهد إقبالا كبيرا في أماكن متفرقة من العالم، وتخزين النفط قريبا من الموانئ ومناطق توزيع النفط الرئيسة يتيح للشركات الاحتفاظ بكميات كبيرة فترة أطول، إلى أن ترتفع الأسعار، مشيرا الى ان العديد من الشركات النفطية والتجارية زادت سعة تخزينها في السنوات القليلة الماضية للاستفادة من نظام سعر الكوتانجو الذي فيه تزيد أسعار البيع الآجل تدريجياً.

ولفت الى ان اجور التخزين إذا كانت منخفضة بدرجة كافية، فيمكن للشركات تحقيق عائدا إذا اشترت النفط أو منتجاته في سوق البيع الفوري ثم باعته بأسعار متفق عليها مسبقاً فيما بعد، خصوصا في ظل تزايد سيطرة ''الكونتانجو''(Contango)، بمعنى أن أسعار العقود المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية.

وفي المجمل، فإن الشركات التي لديها إمكانات تخزين النفط تتمكن من تعزيز أدائها في شأن تصدير خام النفط ومنتجاته إلى مناطق أعلى سعراً.

وفي ما يتعلق بتخزين النفط الكويتي، أشار الشطي إلى أن الكويت دخلت معترك وتجربة التخزين، إذ أبرمت بالفعل اتفاقا بشأن تخزين النفط الخام في كوريا الجنوبية، علاوةً على تخزين المنتجات البترولية في الامارات في اطار خطة الطوارئ بعد التحرير.

وعن الكمية المخزنة التي يمكن ان تكون خارج حصة "أوبك" المقررة، قال إنها تشمل اجمالي انتاج النفط الخام خلال الشهر، سواء ما تم استهلاكه محليا أو تكريره أو تخزينه أو تصديره إلى الزبائن، وبالتالي تدخل الكمية المخزنة ضمن الانتاج الشهري ضمن الحصة المقررة لـ"أوبك".