الثورة... بين وزيرين!

نشر في 10-02-2011
آخر تحديث 10-02-2011 | 00:00
 د. ساجد العبدلي لقد تحمل وزير الداخلية السابق الشيخ جابر الخالد مسؤوليته السياسية واستقال، وبصرف النظر عن ملابسات الأمر، فمن النبل أن تثمّن له هذه الخطوة، ومن يجد في نفسه ترددا في قبول هذا فعليه أن يتذكر الكم المهول من الأخطاء السياسية التي اقترفتها حكوماتنا المتعاقبة، وعدد الوزراء الذين تحملوا مسؤوليتاتهم السياسية إزاءها فاستقالوا، وحينها سيدرك تميز ما قام به الوزير الخالد!

إذن فنحن أمام مشهد يستحق الاحترام فعلا، على الأقل يستحق هذا الاحترام في واقعنا الخالي إلى حد بعيد من مشاهد مماثلة، ونحن لذلك أمام وزير يستحق التقدير بشكل من الأشكال، فشكرا لأبي نواف!

وأما وزير الداخلية الجديد الشيخ أحمد الحمود، العائد من بعد غياب، فله علينا حق الترحيب والدعاء بالتوفيق في مهمة لن تكون سهلة بحال من الأحوال، خصوصا أنه سيتسلم تبعة ثقيلة من سابقه، تبعة تزخر بملفات صعبة، على رأسها ملف مقتل المواطن محمد الميموني على يد رجال المباحث في أثناء التعذيب، تلك الجريمة التي كشفت عن مقدار الفساد في قطاع إدارة المباحث على وجه الخصوص، وفي وزارة الداخلية بشكل عام.

لكن، وعلى أي حال، فالناس تميل إلى الاستبشار خيرا بمقدم الوزير الحمود، خصوصا بعد قيامه بزيارة ديوان النائب مبارك الوعلان في أثناء انعقاد ندوته، وصرفه لرجال الأمن الموجودين، مما أشاع شعوراً بالارتياح، وجعل البعض يستعجلون فعلا ويسمونه وزير الإصلاح!

إلا أنني لن أخفي استغرابي مما جرى من تبدل لسياسة النظام حيال موضوع إقامة الندوات، لأنه يصعب علي أن أتصور أن المنع السابق لها، وصولا إلى ما جرى من أحداث دامية في ندوة الحربش، والسماح بها اليوم هي مجرد قرارات فردية لوزيرين متعاقبين يختلفان في الرؤى أو التوجهات، فأقبل لذلك أن يقوم البعض بإلقاء كامل اللوم على الوزير السابق وتسمية الجديد بوزير الإصلاح. إن الأمر أكثر تعقيدا من هذا ولا شك، وعلينا أن ندرك هذا جيدا جدا!

ولهذا فلا أشك أبدا أن للظروف الإقليمية تأثيرا فيما يجري عندنا، ولهذا فسأستبشر بدوري، ولكن من زاوية أخرى، بأن «جوا» من العقلانية السياسية قد بدأ يلف النظام هذه الأيام بالفعل، وأنه، أي النظام، متجه بروح إيجابية حقة نحو إصلاحات حقيقية، وتنمية فعلية، وعليه، فمن المفترض على خط المعارضة- مع إدراكي لعدم وضوح هذا المصطلح كذلك في أذهان الكثيرين، أعني مصطلح خط المعارضة- أن يستقبل هذه الإيجابية بإيجابية مقابلة، ولو إلى حين، وذلك في محاولة لاستثمار الإقبال الحكومي وتشجيعه عله يثمر حقا.

لا بد من التهدئة لبعض الوقت، على الأقل لاستجلاء حقيقة الإقبال الحكومي، وليس في هذا أي تخاذل أو تراجع، بل على العكس، هو من صميم الحكمة السياسية، ومن صميم ما تتطلبه المرحلة، ومن الواجب كذلك على جميع النواب اليوم العودة إلى مطالبة الحكومة بعرض آخر ما وصلت إليه من إنجازات على صعد مختلفة من الملفات التي كانت تعهدت بالعمل عليها، خصوصا تلك المتأخرة والعالقة.

وفي ذات الوقت، وفي المقابل، لتعكف «المعارضة»، وكل التيارات السياسية، وبالأخص الجماعات الشبابية الناشئة، على بناء نفسها وترتيب صفوفها، حتى تستطيع مواجهة الواقع السياسي بشكل أكثر نضوجا وتبلورا.

إن في الثورات العربية التي جرت دروسا أكثر بكثير من مجرد التحريض المباشر على الثورة والخروج في بلدان وظروف قد لا تتطلب ذلك أبدا؛ إن فيها دروسا لأهمية وجود الرؤية السياسية الواضحة لما يريده الناس، ودروسا لأهمية الانضباط والتنظيم، ودروسا لأهمية وجود التنظيمات الفكرية الناضجة سياسيا والقائمة على عمل حركي سليم، لأنه إن خلى الواقع من هذا، فسيواجه الناس مشاكل كبرى عند حصول أي فراغ!

إنها فرصة تاريخية لكل الأطراف؛ فرصة للأنظمة لتعيد النظر في مسيرتها والبدء بإجراء إصلاحات حقيقية ترضي شعوبها وتكسب ولاءهم، وفرصة للشعوب لأجل أن تثور على نفسها، فتصلح من فكرها وثقافتها وحركتها، حتى تكون على أهبة الاستعداد لتحمل عبء المواجهة!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top